مرَّ اليوم العالمى للكتاب (23 أبريل) دون اهتمام يُذكر، ولم تنظم مبادرات أو فعاليات معنية بأوضاع صناعة النشر فى مصر التى تشهد مشكلات كثيرة، بعضها ناتج عن تداعيات أزمة كورونا، وأغلبها نتاج سياسات تراكمية وجاءت «كورونا» لتظهرها على السطح.
ملَّ الناشرون من تكرار الحديث حول مشكلات لا يلفت إليها أحد، فعبر عقود لم يتم الوصول إلى سياسات ضريبية أو جمركية تساهم فى تحسين أوضاع المهنة التى تحسن من رصيد مصر فى مجال القوى الناعمة، ومن جهة أخرى لا يعمل الناشرون على تحسين صورتهم أمام اتهامات تاريخية موجهة من المؤلفين بحديثهم الدائم عن الثروات التى يحققها الناشرون من الكتب ولا تصل للمؤلفين أبدا، لأنهم الحلقة الأضعف فى المعادلة.
والشاهد أن السنوات الأخيرة غيرت من أوضاع القراءة فى مصر وبدا أن المبيعات شهدت طفرة نسبية ساعدت فيها المكتبات النوعية الجديدة التى غمرت بعض الأحياء الراقية أو المولات التجارية، ثم جاءت مواقع التواصل الاجتماعى ومعها ظاهرة الأكثر مبيعا، لتساعد إلى حد كبير فى إبراز الاهتمام ببعض المؤلفات إلا أن الطلب على الكتب ما زال عند الحدود التى لا تغير من أوضاع المهنة أو تصنع سوقا حقيقية.
وخلال الأسبوع الماضى نشرت صحيفة الجارديان البريطانية العريقة تقريرا حول مبيعات الكتب فى بريطانيا، عقب أسبوع واحد من إعادة فتح المتاجر وإنهاء حالة الإغلاق التى عاشتها إنجلترا خلال الثلاثة أشهر الأخيرة.
حفل تقرير الجارديان بمؤشرات عديدة تظهر الفارق الرهيب بين حال القراءة هناك وحالها فى أغلب بلدان العالم العربى، فقد تم بيع ثلاثة ملايين وسبعمائة ألف كتاب ورقى (نسخ) فى حوالى أسبوع.
ويقول التقرير، إن مبيعات العام الماضى فى بريطانيا من الكتب بلغت 202 مليون كتاب، والطريف أن جمعية موزعى الكتب طالبت فى بداية أزمة كورونا السلطات بالتدخل وتقديم دعم لحماية المهنة.
والأغرب أن المؤشرات تظهر كيف أن الارتفاع فى سوق توزيع الكتب الورقية كان مذهلا، لدرجة أن الموظفين فى المكتبات أكدوا فى التقرير أن الزبائن كانوا يشمون الكتب من خلف كماماتهم ويتلهفون على الكتب كما يفعل الأطفال مع حلوى الأعياد.
وتقول الأرقام أيضا إن مبيعات الكتب فى بريطانيا وصلت إلى أعلى مستوى لها فى ثمانى سنوات فى عام 2020، وقدمت دور النشر الكبرى بيانات عن أرباح جيدة، بينما أعلن العديد من بائعى الكتب المستقلين عن تلقى دعم قوى من السلطات المحلية، لمواجهة آثار الجائحة والنمو فى أرباح شركات عملاقة مثل أمازون.
ولا أحد يعرف كيف يمكن للناشر البريطانى أن يكسب فى زمن الجائحة، بينما لا يستطيع الناشر العربى أن يدفع رواتب لموظفيه وتضطر أغلب دور النشر لتقليص عدد منشوراتها عند حدود الخمسين بالمائة، مما كان ينشر فى السابق.
والمؤكد أن التفسير الوحيد الذى يبرر هذه المفارقة مرتبط بسياسات الدعم والشفافية والمراقبة والحساب، وهى غير موجودة فى بلداننا العربية تقريبا، ناهيك عن الدول الغربية تتأخذ إجراءات تضمن حماية الكتاب من التزوير وتضمن آليات تزويد للمكتبات العامة التى تنتشر فى أغلب الأحياء وتساهم فى ترسيخ عادة القراءة وتيسر فرص الحصول على الكتب وتضمن بالتالى وقف عمليات تزويرها التى تلتهم أية فرصة من فرص الربح.
وخلال الشهر الماضى وحده تابعت سلسلة ندوات نظمها معرض فرانكفورت للكتاب بالتعاون مع معهد جوتة ومبادرة أصوات عربية واتحاد الناشرين المصريين تحت عنوان: «القاهرة، الأمل يبدأ» أظهرت كلها طبيعة التحديات التى تواجهه صناعة الكتاب، خاصة وأن ظاهرة الأكثر مبيعا فى سبيلها إلى الانحسار بعد تراجع الاهتمام بقراءة الروايات وسعى القراء نحو الكتب التى تبحث فى العلوم الإنسانية،والتاريخ والفلسفة إلى جانب كتب السيرة الذاتية.
ويؤكد خبراء النشر فى مصر أن كورونا أدت إلى تراجع كبير فى المبيعات لأن السوق الإلكترونية ومعها المنصات الصوتية لا تزال فى طور النمو كما أن عمليات التزوير تواصل النزيف وليست هناك نوايا جادة للعمل على وقفه فى القريب العاجل.
وأكثر من ذلك أن الناشر المصرى تحديدا يعمل فى سوق غامضة، فهو لا يتمكن من بناء توقعات؛ حيث لا تتوافر لديه البيانات الرسمية التى تمكنه من التعرف على طبيعة السوق واتجاهات القراءة وتصنيفها بحسب الشرائح العمرية أو المناطق الجغرافية ليعرف ما الذى يحتاج الناس لقراءته، فقد توقف الإعلان عن نشرات الإيداع داخل دار الكتب القومية وكانت تقدم مادة مفيدة جدا لكل الراغبين فى معرفة سوق النشر وهى سوق لابد من التدخل لحمايتها من الضياع.