بغض النظر عن فوز السيسى أو حمدين فى انتخابات الرئاسة، تبقى المعركة الأهم، فى هذه المرحلة، هى تفعيل الدستور فى مختلف جوانب حياتنا، وترجمة أحكامه العامة إلى قوانين تدفع فى طريق تحقيق أهداف الثورة فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية. فالدستور بعد كل الثمن الذى دفعناه منذ 25 يناير وحتى الآن، هو الضمانة الوحيدة لبناء دولة المؤسسات لا دولة الحاكم الفرد، دولة القانون والحريات لا دولة القمع والاستبداد والوصاية، دولة الجماهير لا دولة القلة المحظوظة التى تسيطر على الثروة القومية، والتى تتمتع بكل الامتيازات على حساب غالبية المصريين الذين لا يجد معظمهم قوت يومهم إلا بالكاد.
ميدان هذه المعركة سيكون فى الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها بعد شهرين، فنواب هذا البرلمان هم الذين سيحددون تحت أى علم نعيش، علم جمهورية ميدان التحرير بنقائها وروحها الثورية، أم علم جمهورية مبارك ببعض التحسينات. ومن هنا، فإن التركيبة السياسية المسيطرة على البرلمان القادم هى التى ستفرض علينا أى طريق سوف نسير فيه، فالقوانين التى يسنها هذا البرلمان ستحدد السياسات العامة للدولة، وانحيازاتها الاجتماعية، وهل هى تخدم الغالبية من الفقراء والمهمشين، أم ستظل على حالها القديم، تعطى الكبار كل الصلاحيات، وترمى بالفتات لغالبية المصريين؟! وهل هذه القوانين سترسى دعائم دولة ديمقراطية حديثة، أم أنها ستؤسس لديكتاتور قادم يتصرف بصلاحيات نصف إله؟!
فى الدستور الحالى الذى أقرته لجنة الخمسين برئاسة عمرو موسى، اختيارات واسعة لتأسيس جمهورية ديمقراطية حديثة، وفيه أيضا ما يمكن البناء عليه لإقامة دولة استبدادية، ففى المجال الاقتصادى فتح الدستور الباب واسعا أمام سيطرة القطاع الخاص بنفس القدر الذى يسمح فيه بتشجيع التعاونيات والقطاع العام، فبنص الدستور فى مادته رقم 12 تكفل الدولة العمل لجميع مواطنيها دون ان يوضح الدستور كيفية تحقيق هذا الهدف، وهل يعنى ذلك التوسع فى تعيين العاطلين فى مشاريع جديدة تملكها الدولة، أم بإصدار قوانين تجبر القطاع الخاص على تعيينهم؟! وفى المادة 64 يكفل الدستور حرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية، ولكنه لم يوضح موقفه مثلا من الشيعة والبهائيين وغيرهم. وفى المادة 93 يؤكد الدستور التزام الدولة بالعهود والمواثيق الدولية لحقوق الانسان، ولكنه لم يوضح كيف نتصرف إذا تعارضت هذه المواثيق مع التفسيرات السائدة للشريعة الاسلامية التى يؤكد الدستور أن مبادئها هى المصدر الرئيسى للتشريع، وهى مجرد أمثلة على مايحويه الدستور من تناقضات تفتح الباب أمام تفسير بنوده بأشكال مختلفة ومتباينة.
وقد جاء مشروع قانون الانتخابات النيابية الذى صدر الأسبوع الماضى، ليزيد من ضراوة معركة البرلمان، فالمشروع كما رأته العديد من القوى السياسية والحزبىة يرسى قواعد الديكتاتورية، ويمهد الطريق لتشكيل مجلس نواب من الأثرياء واصحاب المصالح، لا يختلف عن الفئات المسيطرة على مجلس الشعب عام 2010، وسيؤدى إلى إضعاف المؤسسات الحزبية على اعتبار أن انتخاب 80% من أعضاء المجلس بالنظام الفردى يحرم غير القادرين من الفوز فى الانتخابات، لأن تكاليف المعركة الانتخابية فى الدائرة الفردية لن تقل عن مليون جنيه، كما انه يهدر أصوات نصف الناخبين، لأن المرشح يفوز بالمقعد إذا حصل على نصف الأصوات +1.
من الواضح، بعد صدور مشروع هذا القانون، ان هناك قوى تسعى لإعادة إنتاج دولة مبارك، بالسيطرة على المؤسسة التشريعية، وتقليم أظافرها، لتصبح مجرد أداة فى يديها لتمرير قوانين تنسف من الأساس كل الاهداف التى سعت ثورتا يناير ويونيو لتحقيقها، ولكن هذا القانون فى المقابل سيكون اختبارا حقيقيا للرئيس القادم، فإذا سعى لإقراره فسيكون هذا مؤشرا واضحا على ميوله الديكتاتورية، أما إذا ألغاه فسيكون.. «بشرة خير» بحق وحقيق!!