التعاطف مع الآخرين هبة من الله سبحانه يُودعها النفس البشرية ويبقى علينا تنميتها ورعايتها ومراعاة نموها وازدهارها فى نفس الطفل حتى تورق وتثمر وتزهر كشجرة مباركة تظل الإنسان وكل من حوله.
خطر هذا الخاطر برأسى فى حوار دار بينى وبين صديقة أثيرة لدى، بينما كنا نتحدث حديث الجدات، فلكل منا أحفاد فى مرحلة الطفولة، وكلتانا بالطبع مشغولة بما يمكن أن تسعى إليه لتنشئة هؤلاء الأحفاد على مبادئ الخلق والإنسانية.
حينما سألتنى صديتقى عن أحب صفة أتمناها لأحفادى بعد أن يستقر فى وجدانهم المبادئ العامة للخلق القويم لم أتردد فى القول: التعاطف مع الآخرين وإدراك أن تلك صفة للأقوياء وحدهم؛ لأنه لا يتخطى حدود نفسه إلى الآخرين إلا إنسان بالفعل قوى.
كنت قد انتهيت من قراءة دراسة قيمة نشرت فى دورية علمية تهتم بالدراسات النفسية وسلوكيات الأطفال، وقد استرعى انتباهى أكثر من موضوع مهم، ربما أحببت أن أعرض واحدا منها هذا الأسبوع.
تشير الدراسة إلى أن السلوك الأنانى لدى الطفل ربما بدا طبيعيا لدى الأطفال، فالطفل يحب التملك فى عمر مبكر، ولا يعى أن ذلك قد يحرم الآخرين من حقوق لهم، ولا يدرك أن رغباته الخاصة قد تتعارض ورغبات الآخرين.
طفل أنانى صفة يجب الحرص جيدا على ألا نرددها أمام الأطفال، فتلك صفة إن التصقت بالطفل لاصقته طوال حياته، وربما كانت السبب فى تشوهات نفسية متعددة تفسد عليه وعلى الآخرين أيامهم.
إهمال الطفل والمعاملة السيئة تجعله يهتم بأمر نفسه فهو بلا شك يشعر أنه لا أحد يهتم به وعلى العكس أيضا الاهتمام الزائد بالطفل وتدليله وتلبية كل طلباته دون تردد أو حتى مناقشة وعدم لومه أو عقابه مهما، فعل خاصة فى حالات الطفل ورغبته فى تملك كل شىء تقع عليه عيناه فتستهويه.
الطفل الذى يعانى من عدم الاتزان النفسى الأمر الذى لا ينتبه إليه الآباء، فلا أحد يوقن أن الاكتئاب مرض قد يصيب الأطفال وأن منهم أيضا من يعانى أعراض القلق ونوبات الخوف والهلع. عدم اتزان الطفل نفسيا يجعله يدور حول محور واحد فقط هو نفسه، فيبدو أنانيا فى سلوكه وتصرفاته وردود أفعاله.
قد لا يدرك الإنسان أنه المثل الذى يراه الطفل، فيقلده بصورة تلقائية، السلوك الأنانى للآباء يجد صدا فى نفس الأطفال بصورة طبق الأصل فى أغلب الأحيان دون أن يفطن الآباء لذلك وربما فاجأهم.
تصحيح سلوك الأطفال يجب أن يبدأ مبكرا منذ البدايات فى أعمار صغيرة؛ حتى لا يتأصل هذا السلوك فى نفوسهم الغضة فيبدو كالبصمة التى لا سبيل لمحوها.
فهم سلوك الطفل وأسبابه حجر الزاوية فى تصحيح مساره: على الآباء تقصى الحقائق وراء ذلك السلوك المتسم بحب التملك والأنانية: الانتقال لمدرسة جديدة أو غياب قواعد الثواب والعقاب العادلة فى المنزل، انشغال الآباء والأمهات بأعمالهم، عدم قضاء وقت كافٍ لتفقد أحوال الأطفال والحديث معهم وتوجيههم؟.
عدم التسامح مع الأفعال وردود الأفعال الأنانية أمر يجب الالتفات إليه بجدية، خطف اللعب من الأصدقاء، تناول آخر قطعة كيك دونما سؤال الآخرين إذا ما كانت تخص أحدا، الإصرار على متابعة برنامج معين فى التليفزيون دون مراعاة مشاعر الآخرين ورغباتهم خاصة الصغار، كلها سلوكيات أنانية تستوجب العقاب مع ضرورة شرح السبب من العقاب وحجم تضرر الآخرين.
تأصيل صفة التعاطف مع الآخرين هو العلاج الحاسم لأنانية الطفل ورغبته فى تملك ما له وما فى يد الغير. يبدأ هذا من الأسرة وفى المدرسة تعليم الطفل أساسيات المشاركة وحب العطاء أمر يلون مسيرتهم فى الحياة بألوان من الإنسانية تضمن لهم النجاح اجتماعيا فى بناء الصداقات القوية والاشتراك فى مختلف نشاطات الحياة.
فى المجتمعات المتقدمة لا تخلو سابقة الأعمال التى يتقدم بها طالب الوظيفة من أعمال تطوعية لخدمة مجتمعه. أيضا عند التقدم للالتحاق بالجامعات ليست درجات النجاح هى المعيار أو المقاس الذى يرجح قبول الطالب أو عدم قبوله بل الأعمال التطوعية التى قام بها وأهميتها، والأمر الذى دعا الطالب للتفكير فى القيام بها.
لا تخلو مؤسسة حكومية من قسم خاص للمتطوعين للعمل فى المشروعات الخيرية التى تتبناها المؤسسة عن طيب خاطر وتنفق عليها من أرباحها.
رغم أن المصريين لا يخلون من شهامة وقت الأزمة والحاحة إلى تضافر الجهود إلى أننا نفتقد القدرة على إضافة تلك الصفة الإنسانية الخالصة إلى وقائع حياتنا اليومية: التعاطف مع الآخرين والتطوع للخدمة العامة الأمر الذى يحتاج أن نبدأ تلقينه منذ الصغر للأطفال بل والذى يجب أن نسن له القوانين وندعم كل من يتقدم للتطوع للخدمة فى مشروعات تكفها الدولة وترعاها.
المجتمع المدنى هو الظل الحقيقى لكيان الدولة، لذا فعلى الدولة أن تسمح له بأن يؤدى دوره كاملا وتمنحه من الدعم والصلاحيات ما يمكنه من الحركة بحرية ودراية؛ حتى يبدو الظل بالفعل فى حجمه الحقيقى وليس خيالا باهتا مقيدا بموضوعات خيرية تقليدية.
ثقافة التطوع للخدمة العامة موضوع يجب أن تنتبه إليه الدولة ومن قبلها الآباء والأمهات.