رغم تمسك وزير التربية والتعليم طارق شوقى لفترة طويلة بإجراء امتحانات الثانوية العامة هذا العام بالنظام الرقمى، وتشدده فى رفض كل دعوات العودة إلى النظام الورقى، إلا أنه تراجع وعاد ليدافع بحماس عن نظام جديد يمزج بين «الإلكترونى والورقى»، واعتبر أن هذا المزج «سيضمن حق كل طالب فى أن يكون لديه وثيقة فى يده بها الأسئلة والإجابة نستطيع الرجوع إليها فى أى وقت فى حال وجود أى مشكلة».
تراجع الوزير عن موقفه السابق، جاء عقب اجتماعه بالرئيس عبدالفتاح السيسى مطلع الشهر الجارى بحضور رئيس الوزراء ووزير الاتصالات، والذى انتهى بالإعلان عن توجيه الرئيس بـ«إتاحة النظام الورقى إلى جانب الإلكترونى كبديلين متاحين معا أمام الطلاب».
توجيه الرئيس لم يأتِ من فراغ، فمن المؤكد أنه أُطلع على تقارير من أجهزة وجهات مختلفة تُفيد بأننا لسنا جاهزين تقنيا بعد لإجراء الاختبارات بالنظام الإلكترونى، خاصة أن الامتحانات التجريبية التى أُجريت كشفت العديد من المشاكل الفنية، أبرزها سقوط السيرفرات وعدم تحمل الشبكات دخول أعداد كبيرة من الطلاب عليها فى نفس الوقت، وهو ما أثار مخاوف أولياء الأمور من استمرار تلك المشاكل خلال الاختبارات النهائية.
خلال المؤتمر الصحفى الذى أعقب اجتماع الرئيس حاول رئيس الوزراء مصطفى مدبولى طمأنة الطلاب وأولياء الأمور على كفاءة الشبكات والبنية الأساسية الرقيمة لامتحانات الثانوية، مؤكدا أن «الشاغل الأول للحكومة هو استقرار أداء الامتحانات، وأن يتمكن جميع الطلاب من أداء تلك الامتحانات بصورة مستقرة وهادئة»، لكنه نوه إلى أن توجيه الرئيس بـ«المزج بين المنظومة الرقمية والورقية» جاء لتدارك أى مشكلة تقنية فى أداء الامتحانات، وهو ما يقطع بأن الحكومة تأكدت من خلال البروفة العملية أن هناك مشاكل فى النظام الرقمى لا يمكن حلها قبل انطلاق الامتحانات النهائية.
الأسبوع الماضى تلقى وزير التعليم استغاثات من بعض أولياء الأمور تفيد بأن «بعض طلاب الثانوية الغشاشين نجحوا فى تهكير أو اختراق عوامل الأمان الخاصة بأجهزة التابلت، وهو ما سيمكنهم من فتح وسائل التواصل الاجتماعى والغش أثناء سير الامتحانات»، وقال أحد أولياء الأمور: «كده الطلاب بتوع السايبر هما اللى هيدخلوا طب وهندسة».
الوزير مشكورا رد على هذه الاستغاثات قائلا: «نعلم هذا ولكن نطمئن الجميع بأن لدينا جيشا من المهندسين، ومعنا أجهزة الدولة كلها للتصدى لأى محاولة غش».
النسخة الأخيرة من الامتحانات التجريبية للثانوية العامة كشفت عدم قدرة الوزارة ولا جيشها فى اكتشاف «الغشاشين»، فبحسب ما نُشر على جروبات الثانوية العامة، فقد تمكن طلاب من اختراق النظام الرقمى و«تهكير» الجهاز اللوحى. الوزير رد مجددا على تلك الوقائع وقال إن وزارته لم تعمل على منع الغش أثناء الامتحانات التجريبية بدعوى أن «تكلفة منع الغش عالية جدا»، وأضاف فى تصريحات عبر حسابه على فيسبوك: «الوزارة قررت أن توفر تكلفة منع الغش للامتحان الرسمى النهائى».
السيد الوزير الذى يصر على نقل التجربة الرقمية إلى نظامنا التعليمى الذى يعانى من فقر فى البنية التحتية التقنية حتى الآن، قرر توفير نفقات كشف الغش، ولم يكلف نفسه باختبار «جيش التصدى للغشاشين» خلال البروفات التجريبية، وانتظر حتى يختبر ونختبر معه قدرات وزارته وجيشه خلال الامتحان النهائى، حينها ستكون الطامة قد حلت، بعد أن يتمكن محترفو الغش من عبور اختبار أو أثنين، وهو ما يخل بمبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب، فيتساوى الطالب النابه المجتهد بالفهلوى الغشاش، والسبب عدم وجود خطط واضحة للوزارة لعلاج قضية حساسة تشغل بال نحو 650 ألف أسرة مصرية.
من الحكمة أن تعيد الدولة النظر فى قرار إجراء الامتحانات بنظام المزج «تابلت + بابل شيت»، كما سبق لها وأعادت النظر فى إجرائها بالنظام الرقمى فقط، خاصة بعد أن أثبتت التجربة وجود ثغرات فى النظام الرقمى، أقلها وقوع السيرفرات وتأخر فتح الخوادم، وأقصاها الغش والتلاعب واختراق «التابلت».
هل يعلم الوزير أن أى مقارنة فى القدرات التقنية بين فريق «الغشاشين» الذين يعتمدون على جيش من «الهاكرز»، وبين جيش المدرسين المنوط بهم المراقبة فى لجان الثانوية العامة، يصب فى صالح الفريق الأول الذى هدده الوزير بـ«الحبس والغرامة» فى حال إثبات التلاعب، كما صرح منذ أيام.
ندعو السيد الوزير والدولة كلها إلى الاستماع إلى صوت العقل، قبل أن تقع الفأس فى الرأس، كما يقول المثل الشعبى.