صعوبة التفاوض مع الإسرائيليين - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
السبت 14 سبتمبر 2024 11:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صعوبة التفاوض مع الإسرائيليين

نشر فى : الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 6:45 م | آخر تحديث : الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 6:45 م

 كيف تتفاوض إسرائيل مع الفلسطينيين أو مع أى طرف آخر؟.

هذا سؤال شديد الأهمية ينبغى على أى طرف عربى يتفاوض مع إسرائيل بصورة مباشرة أو غير مباشرة، الآن أو فيما بعد، وسواء كان يقيم معها علاقات أو فى حالة عداء معها أن يكون على دراية كافية ومعرفة كاملة بأساليب التفاوض الإسرائيلية المختلفة والمتنوعة والملاوعة حتى لا يجد نفسه فى دوامة ومتاهة لا تنتهى.

الذى ذكرنى بهذا الموضوع أننى قابلت خبيرا مصريا فى الشئون الإسرائيلية مساء الأحد الماضى عقب انتهاء جولة المفاوضات فى القاهرة من أجل التوصل إلى هدنة توقف العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة وتطلق سراح الأسرى.

سألت هذا الخبير المرموق عن تقديره وهل سنصل إلى اتفاق أم لا؟

لم أكن أقصد بالسؤال جولة مفاوضات الأحد التى لم تحقق اختراقا، بسبب استمرار التعنت الإسرائيلى، وكذلك بسبب التمسك المصرى بضرورة الانسحاب الإسرائيلى من محور فيلادلفيا والإصرار الفلسطينى على ضرورة انسحاب قوات الاحتلال من كامل القطاع. لكن كنت أقصد مجمل المفاوضات خصوصا تلك التى يمكن أن تتكرر فى المستقبل.

الخبير قال لى إن المصريين لديهم خبرة حقيقية بأساليب التفاوض الإسرائيلية، ولولا هذه الخبرة ما تمكنوا من استرداد طابا؛ حيث واجهوا كل الألاعيب والحيل الإسرائيلية، وهو ينصح الفلسطينيين بالاستفادة من قراءة هذه الدروس حتى لا يقعوا ضحية للخداع الإسرائيلى.

كلام الخبير صحيح جدا، ومن يتابع جولات التفاوض الأخيرة سيكتشف أن جراب الحاوى الإسرائيلى بلا نهاية!!.

الإسرائيليون على سبيل المثال وافقوا على مقترحات الرئيس الأمريكى جو بايدن فى أواخر شهر مايو الماضى، ظنا أن حماس سترفضها لا محالة، لكنهم فوجئوا بأنها قبلتها فتراجعوا عنها بصورة طفولية، ثم ذهبوا لاجتياح رفح واحتلال محور فيلادلفيا.

وحينما بدأ التفاوض لتوقيع هدنة تنتهى بضرورة انسحاب إسرائيل الكامل من القطاع ومن الحدود فوجئ الجميع بتمسك بنيامين نتنياهو بأن قواته ستظل باقية فى محورى فيلادلفيا ونتساريم فى كل الظروف ولن تتركهما أبدا.

منذ بداية العدوان تتفنن إسرائيل فى وقف دخول كل شاحنات المساعدات الإنسانية إلى القطاع. وحينما تسمح بدخول عدد قليل من الشحانات، فإنها تتعامل وكأنها قدمت تنازلات كبيرة، وبعد فترة تتفنن فى تفتيش دقيق للشاحنات بحيث تؤخر دخولها لأطول وقت ممكن، وفى بعض اللحظات تترك مستوطنيها يهاجمون هذه القوافل سواء عند معبر كرم أبوسالم، أو يهاجمون مخازن منظمة الأونروا فى الضفة والقدس المحتلة

ومما تسرب من كواليس المفاوضات فإن إسرائيل قالت إن قواتها يمكن أن تتراجع لمسافة ٢ كيلومتر من محور فيلادلفيا، ويمكنها أيضا أن تقلل شروطها بضرورة تفتيش كل الفلسطينيين العائدين من جنوب غزة إلى شمالها عبر محور نتساريم. والمضحك المبكى أن أمريكا اعتبرت هذا الكلام الإسرائيلى تنازلات، وهو ما دفع بعض مسئوليها للتصريح بأن هناك مواقف إسرائيلية إيجابية، وحينما ترفض حماس هذه التمثيليات يتم وصفها بأنها تتشدد أو تتراجع كما جاء على لسان الرئيس الأمريكى جو بايدن.

تقيم إسرائيل أكثر من نقطة مراقبة على محورى فيلادلفيا أو نتساريم، وحينما تقول إنه يمكنها تقليل هذه النقاط من ١٥ نقطة إلى ١٢ أو حتى عشرة، فهو يعتبر فى عرفها وعرف واشنطن تنازلا يفترض أن يتم الترحيب به وقبوله؟!

وحينما يوافق الطرف الفلسطينى على نقطة محددة، معتقدا أن أمر التفاوض حولها قد انتهى، يتفاجأ بأن هناك مئات التفاصيل ما تزال عالقة والإسرائيليون يعيدون التفاوض عليها مرة ثانية وثالثة وعاشرة لدرجة أننى ظننت أن المثل الذى يقول «الشيطان يكمن فى التفاصيل» قد ظهر للنور بعد إحدى جولات التفاوض بين الإسرائيليين وأى طرف آخر.

وحتى حينما يكون المفاوض متنبها وملما بكل الحيل والشراك الإسرائيلية فإنه يتفاجأ بأن الإسرائيليين يقولون فى النهاية نعم نحن وافقنا على ذلك سابقا، لكننا لن ننفذ، وإذا نفذنا، فسوف تتفنن فى التطبيق حتى نصيب الطرف الثانى بالزهق إلى أن ينسحب من تلقاء نفسه.

 كتبت هذا المقال مساء الأحد الماضى. وعصر أمس الأول الإثنين توفى الدكتور نبيل العربى وزير خارجيتنا والأمين العام السابق للجامعة العربية.

واعتقد أن كل الدبلوماسيين العرب بحاجة ماسة لقراءة مذكراته «طابا كامب ديفيد ــ الجدار العازل»، الصادرة عن دار الشروق، وفيها يتحدث عن مفاوضات كامب ديفيد حيث عمل مستشارا قانونيا للوفد المصرى، ثم رئيسا للفريق والوفد المصرى الذى تمكن من استرداد طابا من إسرائيل بالتفاوض والتحكيم. وسأعود إلى هذا الموضوع غدا إن شاء الله.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي