استمرارا للحديث عن كبار السن والمسنين، ونظرا لأهمية هذا الموضوع، الذى سيقبل عليه الكثيرون منا إن آجلا أو عاجلا، من المهم التطرق إلى موضوع آخر متصل بتلك الفئة الأولى بالرعاية ربما عن أية فئات اجتماعية أخرى فى المجتمع، بسبب الحاجة لرد الجميل لها، وبسبب ضعفها ووهنها وعدم قدرتها على الحركة وربما التفكير، ناهيك عن سلب سلطاتها ونفوذها.
هذا الموضوع هو الوضع الاقتصادى المرتبط بكبار السن. هنا سيكون الأمر متصلا أولا، باستفادة كبار السن من وضعهم نتيجة الاحتكاك المتواصل بالمجتمع والدولة. وثانيا، استفادة من حولهم بتلك الأوضاع.
فيما يتصل باستفادة كبار السن اقتصاديا من وضعهم الجديد، وهو تقدم العمر، فهناك الكثير من الأعمال التى يجب أن لا يتوقف الإنسان عن العطاء فيها طالما لديه القدرة الذهنية أو العضلية المتبقية لديه، بما يحقق له درجة معتبرة من أمرين مفيدين له. الأول، هو استفادته المادية والمالية من العمل، بمعنى الحصول على دخل. وهنا لا يشترط أن يكون كبير السن غير مقتدر ليتمتع بتلك الميزة. وهذا ينقلنا للأمر الثانى، وهو أن كبير السن بمجرد تلقيه أجرا نظير عمل، حتى لو كان لا يحتاجه هو أو أسرته، لهو أمر كاف لرفع الروح المعنوية له وشعوره أنه لديه وظيفة فى المجتمع، وأن هذا الأخير لم يستغن بعد عن خدماته وعطائه، وأنه يستطيع رغم حالته أن يأكل من عمل يديه، وأن لا يحتاج لمن حوله، ومن ثم تنتفى لديه نظرة الآخرين له نظرة شفقة أو عطف.
فى ذات السياق تقوم الدولة بتمييز كبار السن والمسنين سعيا لتنفيذ ما جاء بالمادة 83 من الدستور، إذ خصصت لهم إمكانية الانتقال فى المواصلات العامة بأسعار مخفضة، وهذا أيضا وضع اقتصادى جديد يخص تلك الفئة. كما منحت لهم عبر البنك المركزى إمكانية إنشاء شهادات استثمار فى بنوك الدولة بأسعار فائدة تفضيلية، وتوسعت الدولة فى تجهيز المبانى بما يخدم وييسر على هؤلاء الحركة، وكانت قد قامت منذ عدة عقود بتخصيص أماكن لهؤلاء فى المواصلات العامة. كل ما سبق هو بلا شك نوع من التمييز الإيجابى والمعاملة التفضيلية لهؤلاء عرفانا لهم وبعطائهم السابق، واحتراما لمكانتهم، وتنفيذا لوصايا المولى عز وجل بالرحمة فى التعامل مع هؤلاء.
من ناحية أخرى، استفاد المجتمع اقتصاديا من الخدمات التى يقدمها لكبار السن والمسنين. فمن ناحية تأسست عدة جمعيات تنتمى للمجمع المدنى، وبعضها هادف إلى الربح، تخص رعاية تلك الفئة، وبعض تلك الجمعيات والدور يقدم خدماته بشكل نهارى فقط، وبعضه يقدم خدماته على مدى اليوم، من خلال الإقامة الكاملة لهؤلاء مع بعضهم البعض، ما يجعل هناك نوعا من التآلف بين الأقرناء فى السن، ويقسم ويوزع هؤلاء على أماكن محددة داخل تلك الدور، بحيث تتشابه ظروف وحالاتهم الصحية والعمرية لكل مجموعة مع الأخرى. وما زال ذلك الدور رغم وجوده فى مصر فى إطار النمو، نظرا إلى أن الثقافة المصرية خاصة والعربية والإسلامية عامة لا تشجع على التوسع فى تلك الأعمال التى يخشى أقارب المسنين على ذويهم من كلام الناس أو ربما أنهم يتمسكون بمواقف معينة ذات طابع دينى تمنعهم من إيداع كبار السن فى دور الرعاية.
بالمقابل تبقى وظيفة الجليس أو الجليسة مهمة باعتبارها البديل الممكن لعديد الأسر ذات كبار السن والمسنين. فتلك الوظيفة هى التعويض المباشر والملائم للكثير من الأسر لرعاية كبار السن والمسنين، وهى البديل الأرخص تكلفة للأسر التى لا يناسبها دور الرعاية التى أصبحت باهظة التكاليف فى الوقت الراهن. وتلك الوظيفة تساهم مع أصحاب الخبرة بها، فى الحد من البطالة لدى الشباب. ويعاون فى توافر الجليس عادة بعض المكاتب التى بدأت تنتشر فى ربوع الجمهورية، بدلا من مجرد المعرفة عبر الأصدقاء أو الدعاية عبر وسائل التواصل الاجتماعى.
أمام كل ما سبق من أوضاع اقتصادية تخص كبار السن والمسنين، من المهم الالتفات إلى أمر ذى أهمية كبيرة، وهو أن الدولة عليها دور مهم فى الاستفادة من خبرات الموظفين المشرفين على الإحالة للتقاعد، لا نقول برفع سن المعاش أو التقاعد كما حدث تفضيلا لبعض الوظائف، ولكن بإمكانية العمل بأجور رمزية كمستشارين وخبراء فى عديد المجالات. فهذا الأمر سيقلل من الفترة التى سيشعر فيها المسنون بالانعزال عن المجتمع، ما يسبب الحد من الأمراض العضوية، كما أنه فى إطار الرغبة فى عدم غبن الشباب وسعيهم للتوظيف فى المجالات المختلفة، سيأخذ ما سبق على أنه استفادة من خبرات البعض بعد التقاعد، وليس بمد سن التقاعد.