عنوان هذا المقال قد يعنى عدة أشياء لكننا نعنى الأجهزة التى نستخدمها فى حياتنا وتعمل بالطاقة الكهربائية وبالتالى تحتاج إلى شحن، أى سنتكلم عن البطاريات التى تستخدم داخل الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر والسيارات الكهربائية... إلخ. أهمية هذا الموضوع تنبع من عدة عوامل:
• أولا.. عدد الأجهزة التى نستعملها فى حياتنا اليومية والتى تعمل بالبطارية زاد عددها فى عصرنا ومن المتوقع أن تزداد فى المستقبل القريب.
• ثانيا.. البرمجيات التى نستخدمها فى أجهزتنا التى تعمل بالبطارية أصبحت أكثر تعقيدا وبالتالى تحتاج طاقة أكثر.
• وأخيرا.. بعد مرور فترة من الوقت قد نحتاج تغيير البطارية وبالتالى تدوير تلك البطاريات أو التخلص منها يجب ألا يضر بالبيئة.
لكل ذلك سنتحدث عن البطاريات فى عصرنا هذا وما هو حالها اليوم وماذا ننتظر فى المستقبل.
كلما ازداد اعتمادنا على البطاريات والطاقة النظيفة كلما قل اعتمادنا على الوقود الأحفورى وبالطبع سيثير ذلك غضب شركات البترول، ولكن هذا التغير قادم لا محالة إن كنا نرجو أن نترك كوكبا يصلح للمعيشة للأجيال القادمة. تخيل أن كل السيارات مثلا أصبحت كهربائية وبالتالى سيقلل ذلك من التلوث البيئى الناتج من عوادم السيارات. بعض الإحصائيات تقول إن مبيعات السيارات الكهربائية على مستوى العالم فى 2022 تعدت 10% ومن المتوقع أن تصل إلى 30% مع نهاية هذا العقد. ماذا عن الطائرات؟ هل يمكننا تخيل طائرات تعمل بالطاقة النظيفة والبطاريات فقط؟
أجهزة الكمبيوتر العملاقة فائقة السرعة والتى تقوم بإدارة مواقع التواصل الاجتماعى وتُستخدم فى الأبحاث العلمية وتتحكم فى شبكات المياه والكهرباء... إلخ، تعتمد على البطاريات (داخل أجهزة الـ UPS) فى حالات انقطاع التيار الكهربى لأن تلك الأجهزة يجب أن تظل تعمل على مدار الساعة.
يجب ألا ننسى أن الشركات الصينية تنتج أكثر من 70% من البطاريات فى العالم وهذا قد يكون له تأثير سياسى وقد يعمل كورقة ضغط فى العلاقة المضطربة بين أمريكا والصين.
فما هى حكاية البطاريات؟
...
السواد الأعظم من البطاريات المستخدمة فى العالم فى أيامنا هذه هى بطاريات الليثيوم أيون (Lithiumــion)، وقد تم ابتكارها فى الثمانينيات من القرن الماضى من باحثين فى إنجلترا واليابان، لكن استخدامها على نطاق واسع لم يبدأ إلا فى التسعينيات. لكن لماذا أصبح هذا النوع من البطاريات منتشرا؟ هناك عدة أسباب لذلك:
• الليثيوم يعتبر ثالث أكثر العناصر توفرا على كوكب الأرض بعد الهيدروجين والهيليوم.
• يمكن شحن هذه البطاريات بسهولة. بطاريات الليثيوم لا يتم شحنها، بل نتخلص منها بعد مدة، أما بطاريات الليثيوم أيون فيعاد شحنها عدد كبير من المرات.
• هذا النوع من البطاريات يخزن الطاقة بكثافة عالية مما يجعلنا قادرين على صنع بطاريات صغيرة الحجم تسمح بوضعها فى أجهزة صغيرة.
• عمر تلك البطاريات يتراوح ما بين ثلاث وعشر سنوات حسب عدد مرات الشحن، وهذه أرقام جيدة مقارنة بأنواع البطاريات الأخرى ولأن أغلب المستخدمين تغير أجهزتها سواء المحمول أو أجهزة الكمبيوتر فى هذه المدة تقريبا.
من أجل كل تلك الأسباب الطلب على عنصر الليثيوم زاد مما أدى إلى تضاعف ثمنه فيما بين 2016 و2022 وتم اختراع وسائل مبتكرة لاستخدام تلك البطاريات بخلاف الأجهزة المحمولة، فمثلا أصبحت تستخدم فى بعض شبكات الكهرباء لتخزين الطاقة المتولدة من الرياح والطاقة الشمسية.
مع كل هذه الفوائد هناك عدة أسباب تجعلنا نبحث عن بدائل:
• ليس من السهل استخراج الليثيوم لأن طريقة استخراجه تحتاج كمية مهولة من المياه.
• تلك البطاريات تحتاج فى تصنيعها إلى عناصر مثل الكوبالت والنيكل والمنجنيز وهى عناصر سامة وتصعب من عملية تدوير أو التخلص من البطاريات غير الصالحة.
هل هناك بديل فى المستقبل القريب؟
...
يجب أولا أن نسأل: ماذا نريد من البطاريات فى المستقبل؟ نريد بطاريات صغيرة الحجم وخفيفة الوزن وطويلة العمر ويمكنها تخزين كمية كبيرة من الطاقة وتكون صديقة للبيئة سواء فى تصنيعها أو تدويرها. هذه قائمة صعب جدا تحقيقها كلها، ولكن توجد محاولات جادة فى محاولة الوصول إلى أفضل حل ممكن، وهذه بعض الأمثلة:
• فى مدينة دلفت بهولندا هناك شركة باسم (AquaBattery) تنتج بطاريات تسمى البطاريات الزرقاء وهى تخزن الطاقة فى الماء. النتائج مبشرة حتى الآن على نطاق صغير لكن هل يمكن تعميمها؟ وحده المستقبل سيجيب.
• هناك البعض يحاول استخدام الصوديوم بدلا من الليثيوم فى البطاريات لأنه أقل تكلفه وأسهل فى الحصول عليه، لكن الأبحاث ما زالت فى مراحلها الأولى.
• فكرة أخرى هى استخدام السيراميك أو أية مادة صلبة لتخزين الطاقة مما يجعلها تخزن طاقة أكثر من بطاريات الليثيوم أيون. شركة (Quantumscape) تقوم بأبحاث فى هذا الاتجاه وأبرمت اتفاقية مع شركة فولكس فاجن لوضع هذا النوع من البطاريات فى سياراتها بحلول 2025.
هناك الكثير من المحاولات فى جميع أنحاء العالم لتصميم وتصنيع بطاريات المستقبل خاصة وأن أمريكا لن تسمح بسيطرة الصين على هذا السوق، مع استمرار تزايد الأجهزة التى نحملها معنا مثل التليفون والساعة والأجهزة الطبية وفى المستقبل القريب النظارات بالإضافة إلى السيارات ثم الطائرات فى المستقبل ناهيك عن الأسلحة الحربية مثل الطائرات المسيرة أصبحت البطاريات سلاحا استراتيجيا ينضم إلى قائمة الأسلحة الموجودة حاليا مثل رقائق الكمبيوتر وبرمجيات الذكاء الاصطناعى والمعلومات وأجهزة الكمبيوتر فائقة السرعة.
...
قد يقول قائل إن كل ذلك يحتاج دولا كبرى ذات فائض مالى كبير، فماذا نستطيع أن نفعل نحن فى مصر؟ الإجابة عن ذلك تتلخص فى عدة نقاط:
• البرمجيات موفرة الطاقة هى فرع مهم من علوم الحاسب. المبرمج يستطيع تطوير البرنامج الذى يكتبه بحيث يستهلك طاقة أقل. هناك الكثير من التطبيقات فى هذا الاتجاه خاصة البرمجة لإنترنت الأشياء.
• من يعملون فى مجال الكيمياء يستطيعون العمل على تطوير أنواع جديدة من البطاريات، وهذه أبحاث نستطيع القيام بها بتمويل معقول وليس كبيرا.
• تدوير المخلفات أصبح من أهم الإجراءات الصديقة للبيئة، فهل لنا أن نطور من وسائل تدوير المخلفات بما فيها الأجهزة الإلكترونية والبطاريات... إلخ؟
باب الابتكار والاختراع مفتوح.