مصر لا يمكنها الانكفاء على نفسها - مواقع عربية - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 1:33 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر لا يمكنها الانكفاء على نفسها

نشر فى : الخميس 28 يناير 2021 - 7:15 م | آخر تحديث : الخميس 28 يناير 2021 - 10:29 م

نشر موقع 180 مقالا للكاتب سامى كليب يعرض فيه طريقة تفكير الدبلوماسية المصرية حول قضايا المنطقة وخاصة الأزمة اللبنانية.. نعرض منه ما يلى.
مصر حاضرة فى المشهد اللبنانى اليوم أكثر من غيرها من الدول العربية من المحيط إلى الخليج، حضور ترجمه المصريون غداة انفجار مرفأ بيروت فى أغسطس 2020، وقبله وبعده. يطرح هذا الحضور أسئلة كثيرة عند المتحمسين للدور المصرى فى لبنان أو المتحسسين منه.
السفير المصرى فى لبنان ياسر علوى الواسع الاطلاع والثقافة المتنوعة، كتب مقالا فى العام 2009 فى صحيفة «الشروق» المصرية، بعنوان: «أسطورة» مصر أولا «الدور الإقليمى ليس صدقة جارية». يخلص فيه إلى نتيجة مفادها: «أهمية بلورة تصور ما للعروبة، لمصر مصلحة أكيدة فيه، تصور يستخدم «المدخل العروبى» كرباط حداثى ديمقراطى يؤسس للتعاون والتنمية وحماية الأمن المشترك لدول المنطقة، ويحمى مصالح مصر المتشعبة فى المنطقة».
هذا المقال نُشر قبل عامين من تنحى الرئيس حسنى مبارك عشية ثورة مصر. لم تكن الأحوال الاقتصادية فى مصر جيدة، وإنما كان مُبارك، وبرغم كل المآخذ الداخلية والخارجية عليه، لاعبا أساسيا فى إعادة محورة دور مصر فى المشهد الإقليمى والدولى بشكل كبير.
ما يهمنا فى الأمر، أن هذا المقال، يعكس جزءا لا بأس به من التفكير العميق للدبلوماسية المصرية.
برغم توقيع مصر اتفاقية كامب دافيد مع إسرائيل إلا أن السفير الإسرائيلى وكل إسرائيلى يزور مصر لا يستطيع النزول إلى شوارع القاهرة علنا ولا الجلوس فى المقاهى بحرية، ما يعنى أن السلام الرسمى لم ينزل إلى المستوى الشعبى، بينما نُلاحظ أن اتفاقيات التطبيع العربية اللاحقة سُرعان ما شهدت انفتاحا واسعا على مستويات عديدة قبل توقيع الاتفاقيات وبعدها، فما عاد المرء قادرا على رصد مجالات الانفتاح والزيارت المتبادلة والمؤتمرات وغيرها. هذا التفكك العربى حيال إسرائيل، يُقلق مصر ضمنيا، حتى ولو أنها تعلن رسميا تأييدها للتطبيع بحلقاته الأخيرة.
صحيح أن حالة الحرب انتهت بين مصر وإسرائيل منذ توقيع اتفاقية كامب دافيد، لكن الأدبيات العسكرية الإسرائيلية ما زالت تعتبر الجيش المصرى الأكثر خطرا على الدولة العبرية، نظرا لكفاءاته العالية، وأسلحته المتطورة، وتنوع مصادر هذه الأسلحة، ناهيك عن العقيدة الضمنية التى لم تتغير جذريا لتعتبر إسرائيل صديقا أو حليفا.
تتفكك منظومة الأمن الإقليمى حول كل المحيط المصرى، فسوريا غارقة بالحرب الضروس على أرضها، والبحر الأحمر مُخترق من قبل إسرائيل، والسودان اقتيد إلى التطبيع، ومعظم الخليج طبعا، بينما مستقبل السعودية يبقى غامضا، حتى تنجلى السحب بين إدارة بايدن وولى العهد السعودى محمد بن سلمان من جهة، ومعرفة هل يُصبح الأمير الملك المقبل أم لا، وفق الشروط الداخلية والخارجية من جهة ثانية. أما فى الجوار الفلسطينى فالمستقبل أيضا محفوف بمليون سؤال، وتحاول القاهرة إعادة لملمة البيت الداخلى الفلسطينى ناهيك عن تحديات سيناء الأمنية وقضية سد النهضة والخطر المتأتى من الحدود مع ليبيا.
ثم فى الإقليم، يتقدم الدوران التركى والإيرانى على نحو مُقلق لمصر، ليس أمنيا فحسب وإنما فى صلب صراع العقائد إذا صح التعبير. فمرشد الثورة الإسلامية فى إيران السيد على خامنئى سارع بعد ثورتى مصر وتونس إلى اعتبار الأمر «صحوة إسلامية».. كان يقين طهران أن علاقة عضوية مع الإخوان المسلمين آنذاك ستقلب وجه المنطقة. والرئيس التركى رجب طيب أردوغان، رأى فى الثورة حصان طروادة لإسقاط حكم مبارك وإقامة نظام إسلامى إخوانى يساهم فى استعادة حلم الامبراطورية العثمانية. فى القناعة المصرية العميقة اليوم، بأنه كلما تقدم المشروع الإسلامى، هُدد المشروع العروبى.
الدبلوماسية المصرية، عارضت بالعمق سقوط الدولة السورية، ورفضت وضع علم المعارضة مكان علم الدولة السورية فى جامعة الدول العربية، وقالت لمن زارها من المعارضين آنذاك: إن كنتم قادرين على إسقاط النظام وإقامة نظام ديمقراطى مكانه سنكون أول من يعترف بكم، أما إذا جئتم إلينا لنُسقط النظام معكم فلن نفعل وبالتالى سيبقى علم الدولة السورية هو المعتمد حتى على الطاولة التى تجلسون عليها. ويعرف الذين تواصلوا مع الدبلوماسيين المصريين فى أوج اعتلاء الإخوان المسلمين سدة الحكم، أن الدبلوماسية العميقة رفضت رفضا قاطعا، شطحات الرئيس الراحل محمد مُرسى بقطع العلاقة مع دمشق. كما أن مصر التى أبقت سفارتها مفتوحة فى دمشق؛ حيث نسج الدبلوماسى النشيط محمد ثروت سليم علاقات مع مختلف قطاعات المجتمع السورى، أسست «منصة القاهرة» للمعارضة السورية التى كان من بين أهدافها الحد من المشروع الإخوانى والتدخلات الإقليمية فى المشهد السورى.
لُبنان بدوره يُشكل عامل قلق للدبلوماسية المصرية، ولا يعرف كثيرون أن المبادرة الفرنسية إنما هى مبادرة فرنسية – مصرية، ساهمت القاهرة فى بلورتها وتمريرها. مصر قلقة من انفراط عقد البلد، وانزلاق الطوائف إلى التطرف، فهذا سيؤسس لاندلاع موجات تكفير وإرهاب فى بعض البيئات. القاهرة مدركة أن ضرب لبنان وتدميره يصب فى مصلحة المشاريع غير العربية. لذلك لا أولوية تتقدم على أولوية استقرار لبنان وتحييده عن اشتباكات الإقليم وما أكثرها.
من هذه المنطلقات ومن زاوية المصالح الاقتصادية لمصر، يبدو أن ما قاله السفير علوى قبل 12 عاما، ما زال صالحا حتى اليوم، أو ربما اليوم صار صالحا أكثر من أى وقت مضى، فمصر لا تستطيع الانكفاء على نفسها تحت شعار «مصر أولا»، ومصر لا تقوم بواجبها العربى من أجل الآخرين فقط ولا من منطلق «صدقة جارية»، وإنما لأن ليس أمامها أى خيار آخر سوى أولا إعادة تفعيل مشروع عروبى حداثى نهضوى لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه، وثانيا حماية مصر نفسها، وثالثا التأسيس لمشروع يطرح بديلا مقبولا عند الشعوب العربية، ذلك أن فراغ الساحة من أى مشروع يفتح الأبواب على كل المشاريع الأخرى.
يبدو أن الدبلوماسية المصرية التى تخلت عن فكرة الصراع العربى المسلح مع إسرائيل منذ نصف قرن، تُدرك أن الديموغرافيا وثبات أهل فلسطين ووحدتهم وانبعاث مشروع عربى، أمور تحدد حتمية المستقبل.
هل نتذكر أن مصر تنجب مليونا كل تسعة أشهر، أى أنها تنجب بلدا سنويا بمعايير الديموغرافيا العربية؟

النص الأصلى

التعليقات