انصب الحديث فى الإعلام فى الأيام الأخيرة على ترحال «أقباط العريش» إلى الاسماعيلية وبورسعيد، اهتم بها «الفيس بوك» أولا، ثم عرفت طريقها إلى وسائل الإعلام. أيا كان توصيف المشهد، فقد دفع الاستهداف بالقتل، والتهديد، والخوف أسرا قبطية إلى ترك بيوتها، ومصالحها، وأماكن عملها بحثا عن الآمان، وهو شعور إنسانى مقدر. السلفية الجهادية تطل بوجهها القبيح، تستهدف الجيش والشرطة والقضاة، وأيضا مسلمين ومسيحيين، تريد أن ترسل رسالة تخويف للمجتمع، وتختار البشاعة فى القتل والتعذيب لإلقاء الفزع والخوف فى القلوب.
ينبغى أن نكون صرحاء. السلفية الجهادية تحركها بواعث من مقولات التطرف الخاطئة: تكفير المجتمع، محاربة الطاغوت، الولاء والبراء، تكفير غير المسلم، واعتباره ليس فقط كافرا بل معاديا للمسلمين لأنه اصطف إلى جوار الطاغوت (يقصدون الحكم) ضد المسلمين (يقصدون أنفسهم باعتبارهم المسلمين الحق، وغيرهم على باطل وضلال)، هذا بالمناسبة ما ذكرته «داعش» فى الفيلم الذى بثته حول حادث الكنيسة البطرسية. هذه الأفكار تجد صداها فى كتب تباع، وشخصيات تجاهر بها. ليس بالضرورة أن تحمل سلاحا، لكنها تشكل الحاضنة الأساسية لأفكار التطرف والإرهاب.
فى موضوع «الأقباط» تحديدا، طالما أن الحديث حوله الآن، هناك من يكفرهم علنا، ويحرم إلقاء التحية عليهم، أو تهنئتهم بأعيادهم أو الاختلاط بهم، ويشدد على الانفصال الاجتماعى عنهم، ولا يجد من يصده عن فكره أو يضعه موضع المساءلة القانونية. وكم هو ملفت أن يذهب رئيس الجمهورية لتهنئة المسيحيين بأعيادهم، وهى مسألة مقدرة لأنها غير مسبوقة على هذا النحو، وتجد أصواتا تخرج منتقدة ذلك. هناك بالتأكيد من بين المراجع الإسلامية من ينكر هذا الخطاب، سواء من الأزهر أو الأوقاف أو دار الافتاء أو من شخصيات إسلامية عامة، وتعتبر ذلك إساءة إلى الفقه المصرى الرحب الذى استوعب بين جنباته كل مكونات هذه الأمة، مسلمين ومسيحيين، لكن ليس مقبولا أن نترك الحبل على الغارب كما يقال، حرية الطعن فى عقائد الآخرين بدعوى تأكيد الموقف العقدى من المسيحيين، أو تحويل مجمل العلاقات الإسلامية المسيحية، بما فيها من ثقافة وعلاقات اجتماعية، إلى مسألة عقدية تتجاوز رابطة المواطنة. هذا هو التطرف بعينة، لا أحد يتحدث فى أمور العقيدة، فهى شأن كل دين، ولكن نتحدث عن المجتمع والمواطنة، العلاقات بين المواطنين كافة. تجربة التاريخ، وخبرة التعايش على أرض مصر.
ليس مقبولا أن نصمت على أقوال تطعن فى رصيد العلاقات بين المسلمين والمسيحيين بدعوى أنها آراء لا تحمل عنفا، أو سلمية فى شكلها، فى حين أنها الأساس للعنف، والمبرر الأساسى له، والغطاء النفسى الذى يلتحف به كل من يرفض التعددية والتسامح. لم أعد أستطيع التفرقة بين من يروج لثقافة التكفير، ورفض الآخر، وبين من يدعو إلى حمل السلاح، وقتال غير المسلم. كلاهما فى رأيى وجهان لعملة واحدة، ينبغى أن نغلق هذه، ونقاتل تلك. نغلق المنافذ التى تخرج منها الأصوات الداعية إلى التمزق الاجتماعى بنشر الآراء والفتاوى الغريبة والقديمة التى تجاوزها الزمان والمكان، ولا يقبلها الآن جمهور العلماء والمؤسسات الدينية الأساسية، ونحارب الذين يلجأون إلى العنف، يقتلون، ويعذبون، ويلقون الرعب فى القلوب.