سلطنة عمان ثقافة الطموح إلى سحر مختلف - سيد محمود - بوابة الشروق
الإثنين 30 ديسمبر 2024 7:18 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سلطنة عمان ثقافة الطموح إلى سحر مختلف

نشر فى : الثلاثاء 28 فبراير 2023 - 9:00 م | آخر تحديث : الثلاثاء 28 فبراير 2023 - 9:00 م
بالنسبة للبعض تبدو سلطنة عمان بلدا غامضا لكن الجميع يراها بلدا فى حاله، لا يتدخل فى شئون غيره، وهو ليس طرفا فى الازمات والعواصف السياسية التى تحاصر المنطقة. وبالتالى فإن أدق وصف يليق به أنه بلد حكيم بنى سياساته على الهدوء والتروى ولم يتورط فى أى خلافات أو صراعات تجرى حوله.
تاريخيا احتفظت السلطنة بدورالوساطة، وحافظت على الدور وأدته بمهارة، وساعدت الجغرافيا ومعها التاريخ هذا البلد على ان يعبر الكثير من الازمات ويمضى إلى شواطئ الحكمة التى تعززت بسلوك شعبى عام.
لا يشعر زائر سلطنة عمان الا بالألفة لانه فى بلد طبيعى يوجد اهله فى جميع تفاصيل الحياة ويعملون فى كل المواقع ويعبرون عن حفاوتهم بابتسامة مطمئنة تشعر معها بسكينة غامرة تجعل الزمن يتمدد.
وعلى كثرة أسفارى لم أعرف شعبا عربيا يعتز بتراثه على نحو صحى، ويعتنى به ويبتكر له وظائف تحرره من الماضى وتجدد حضوره ليبقى حيا وفاعلا كما يفعل العمانيون فى اهتمامهم بأشكال التراث غير المادى ايضا ربما بالمعنى الذى تناوله المؤرخ اريك هوبسباوم حين تحدث عن اختراع التقاليد أو استعادتها، ليس من باب احترام الطقس بل من زاوية التأكيد على نمط من التحضر يستند على ارث تاريخى وحضور واسع امتد من الخليج ووصل إلى زنجبار فى شرق افريقيا
اختلفت شخصية المواطن العمانى عن غيره فى طريقة نظرته إلى الحياة وتعامله مع تفاصيلها اليومية.
وخلال فترة حكم السلطان الراحل قابوس دخلت إلى البلاد الكثير من ملامح الحداثة على النمط الغربى، لكنها لم تسحب من رصيد الماضى المتحضر بل اضافت اليه، وبفضل الالتزام الصارم بالقانون تعززت فى البلاد قيم ومكونات واضحة تقوم على احترام التعددية والتنوع ونجحت فى صهر الهويات المتعددة فى مواطنة جامعة وانتماء وحيد لوطن أصيل هو عمان.
فى كل مرة أعود إلى هذا البلد أجد سحرا يجذبنى اليه ومحبة غامرة تترسخ ولست وحدى الذى يسكنه هذا الشعور، فكل من جاء إليها من المصريين لمس ذلك، أكتب هذا وفى ذهنى كتابات الراحل د. شاكر عبدالحميد وأعمال يوسف الشارونى والدكتور سعيد توفيق والصديقين ابراهيم فرغلى واحمد شافعى.
خلال زيارتى التى جاءت بدعوة من وزارة الاعلام لمتابعة فاعليات معرض مسقط الدولى للكتاب لمست طموحا فى ان يكون للمعرض حضور كبير لينضم إلى المعارض المؤثرة عربيا ويعرف المهتمون بالادب الطفرات التى حققها الادب العمانى خلال السنوات الاخيرة وهى حصيلة لجهود بذلتها اسماء كثيرة هناك سعت لان يكون الادب العمانى معاصرا بكل ما تعنيه الكلمة.
وبذل أدباء السبعينيات والثمانينيات هناك جهدا هائلا للوصول إلى كتابة جديدة، ومنذ ظهورها ساعدت مجلة نزوى بسقفها الجمالى المغاير على خلق نمط من المعاصرة عزز طموح الاجيال الجديدة التى نالت حظا من التعليم الجيد داخل عمان وخارجها فى كتابة لا تقل ابدا عما ينتج فى الدول ذات التقاليد الادبية الراسخة.
وخلال سنوات اصبح للادب العمانى اسماء ساطعة وفاعلة فى صياغة مشهد ادبى مختلف وإلى جوار سيف الرحبى وعلى المعمرى وزاهر الغافرى وسماء عيسى صرنا نعرف اسماء اخرى مثل يحيى سلام المنذرى وسليمان المعمرى ومحمود الرحبى وزهران القاسمى وحمود سعود وخلفان الزيدى وعاصم الشيدى الذى ينجز عبر ملحق جريدة عمان الثقافى عملا رائدا.
وفى ظل هذا المناخ برزت كاتبات عمانيات نجحن فى الحصول على جوائز عالمية واقليمية كبرى مثل جوخة الحارثى وبشرى خلفان وهدى حمد ومنى حبراس وهذه مسألة تحتاج لبحث اجتماعى معمق حول الدور الفاعل للمرأة العمانية وهو دور أظهره المعرض بوضوح، كما اظهر الزحام الذى نحبه بتعبير منى حبراس حيث توافد مئات الطلاب على زيارته.
ولعل اجمل ما فى معرض عمان للكتاب حرص الجميع على انجاحه حيث تضافرت جهود الصالونات الخاصة والجمعيات والمنتديات الادبية الخاصة مثل النادى الادبى وصالون فاطمة العليانى أو بيت الزبير، إلى جانب حرص واضح من الفاعلين ثقافيا هناك على دعمه باستشارات وأسماء تواكب طموح المؤسسة الرسمية فى خلق معرض جديد جاذب لكثير من الاسماء العربية المؤثرة ذات المنجز الابداعى المختلف وبطريقة تسمح بتجاور اكثر من مشروع ابداعى واكثر من جيل ولهذا وجدنا ضمن فاعليات المعرض ندوات لأسماء مثل ابراهيم الكونى وعيسى مخلوف وسنان انطون معروفة بحساسيتها الفنية المغايرة، كما وجدنا تفاعلا مع قضايا جماهيرية وثيقة الصلة بما يعيشه الناس هناك ومن ثم تحول إلى فاعلية جاذبة.
ولأن المعرض يقوم على الكتاب لم تغب هموم النشر عن جدول الفاعليات وتوسع الناشرون فى تناول هموم المهنة وجاءت مساهمات رئيس اتحاد الناشرين العرب الاستاذ محمد رشاد ومعه بشار شبارو وفتحى البس وفاطمة البودى وآخرين لتؤكد انشغال الجميع باللحظة الفاصلة التى تشهدها صناعة المعارض العربية، فعلى الرغم من ازدهار المعارض لا يزال الكتاب العربى فى أزمة وتلك قضية اخرى تحتاج إلى تفكير فاعل يفكك شفرات تلك المفارقة.