"يا بني سيب اللي في إيدك وروح ذاكر لك حاجة تنفعك" هي من الاقوال المأثورة التي نسمعها في البيوت التي يوجد بها مراهقون وشباب من جيل التسعينات والألفية الجديدة. هذه الأجيال وُلدت وأجهزة الكمبيوتر المحمولة المتصلة بالإنترنت موجودة منذ طفولتهم بعكس الأجيال السابقة مما جعل حصولهم على ألعاب الكمبيوتر الجديدة بشكل مستمر وادمانها سهلاً.
عائد ألعاب الكمبيوتر في العالم سنة 2020 تجاوز المئة وخمسين مليار دولار بحسب موقع ستاتيستا (statista)، إذا فنحن نتكلم عن سوق كبير جداً وفرص كبيرة للاستثمار، لكن أي نوع من الألعاب نود الاستثمار فيه إن كنا نريد إيجاد تأثير إيجابي في هذا العالم وليس فقط العائد المادي؟
منذ أسابيع قليلة ألقى صديقي الدكتور أحمد مرسي (الرئيس الحالي لقسم الهندسة الطبية بهندسة القاهرة) محاضرة في مكتبة الإسكندرية عن الألعاب الجادة وقد سمعت تلك المحاضرة ثم تناقشت معه فيها، وكان هذا دافعاً لي للتفكير أكثر في هذا الموضوع وكيف يمكن أن نستفيد منه في مصر.
استخدام تقنيات الألعاب بكل ما فيها من إبهار وتشويق في موضوعات جادة يفتح مجالات عديدة للتقدم، نعطي هنا بعض الأمثلة.
استخدام الألعاب في التعليم كان من أول المجالات التي فكر فيها الباحثون في مجال التعليم ومطورو الألعاب، فمثلاً بدلاً من أن تعطي التلميذ جدول الضرب ليحفظه يمكنك أن تجعله يحاول تجميع نقاط أو ضرب أعداء مع كل عملية حسابية صحيحة وتتدرج العمليات في الصعوبة، يمكن تحويل الكثير من المواد الدراسية إلى ألعاب، ولكن يحتاج ذلك إلى تضافر جهود خبراء التعليم وتصميم البرمجيات وواضعو المناهج الدراسية، طبعاً هذا لا يلغي المحاضرات الدراسية، ولكنه يستخدم كنوع من التدريبات.
يمكن استخدام الألعاب في العلاجات الطبية، فمثلاً في محاضرة مكتبة الإسكندرية السالفة الذكر أعطى الدكتور أحمد مرسي مثالاُ عمن يحتاج إلى علاج طبيعي، بعض تمرينات العلاج الطبيعي مملة وصعبة، لكن إذا أعطيت الشخص نظارات الألعاب المستخدمة في برمجيات الواقع الافتراضي فيمكن أن يرى المريض نفسه ممسكاً بسيف يضرب به وحوش طائرة مثلاً والبرنامج مجهز بحيث يحتاج المريض أن يحرك يده بطريقة معينة لضرب الوحش وهذه الطريقة هي ذاتها تدريب العلاج الطبيعي.
استخدام الألعاب في البحث العلمي هي من أكثر الاستخدامات براعة، الأستاذ ريجو داس (Rhiju Das) من جامعة ستانفورد اخترع وفريقه البحثي لعبة على الانترنت يقوم اللاعبون فيه بتصنيع جزيئات معينة تستخدم في تصنيع دواء، هذه اللعبة لعبها أكثر من مائتي ألف لاعب وقد تم استخدام الجزيئات المصنعة في هذه اللعبة في الأبحاث الحقيقية، بل أن بعض اللاعبين المتميزين في هذه اللعبة العلمية تم وضع أسمائهم على بعض تلك البحوث العلمية، هناك الكثير من الأمثلة التي يظن الشخص فيها أنه يلعب لكنه يساهم في البحث العلمي.
هناك أيضاً استخدام ألعاب في التدريب، وقد تحدثنا في مقال سابق عن استخدام نظم المحاكاة وهي قريبة جداً مما نتحدث عنه الآن، تدرب شركات الطيران طياريها على قيادة الطائرات عن طريق نظم المحاكاة وهي تشبه الألعاب حيث يجد الطيار نفسه في عدة مواقف صعبة وعليه التصرف فيها.
تستخدم هذه الطريقة أيضاً في التدريب المستمر للمدراء ورؤساء مجالس الإدارات حيث يعطيهم نظام المحاكاة قصة معينة ثم يطلب منهم التصرف، مثلاً يقول لك نظام المحاكاة أنك كمدير تحاول الاستحواذ على شركة صغيرة تستخدم تكنولوجيا معينة تحتاجها شركتك وفي يوم توقيع العقد صباحاً سمعت عن شركة أخرى تستخدم تكنولوجيا أفضل، الآن أمامك وقت قليل قبل توقيع العقد وإلا ضاعت منك الصفقة وفي نفس الوقت أنت لا تعلم الكثير بعد عن الشركة الجديدة، فهل تخاطر بفقد العصفور في اليد في مقابل صفقة قد تكون أفضل؟ حسب اختيارك يأخذك نظام المحاكاة إلى نقطة أخرى في القصة، هذه النوعية من الألعاب القائمة على نظم المحاكاة تسمى ألعاب الأدوار أو (role playing).
الآن وقد رأينا حجم السوق وكم الفرص المتاحة فهل نجد عندنا في مصر شركات أكثر تهتم بهذا الموضوع؟ هناك أيضاً فرق بحثية في الجامعات في الخارج تعمل في مجال الألعاب الجادة، بالإضافة إلى الفوائد المالية المتوقعة فإن الأبحاث في هذا المجال تفتح الطريق للتعاون بين فرق بحثية من تخصصات مختلفة مثل علوم الحاسبات وهندسة الحاسبات وعلم النفس والتربية بالإضافة إلى المتخصصين في المجال المزمع عمل لعبة عنه مثل الطب أو الاقتصاد أو القانون إلخ وهذا التعاون قد يثمر أبحاثاً أخرى عظيمة لأن الأبحاث العلمية المبتكرة كثيراً ما تأتي من التقاء فروع العلم المختلفة.
فهل نبدأ؟