قرر الطفل ميشيل الطالب فى مدرسة الإيمان الإعدادية بمدينة بنى سويف كسر «التابوه» الذى فرضه عليه المجتمع الطائفى المتعصب، مستخدما جسده القوى نسبيا عن أقرانه ومهارته فى لعبة كرة القدم، وحاول الاندماج ومشاركة زملائه المسلمين دورى الفصول.
تحدى ميشيل التلميذ بالصف الأول الإعدادى محاولات تهميشه ونبذه، ونزل إلى المباراة مستعرضا مهارته، ومرر الكرة من بين قدمى عمر، وقذفها فسكنت شباك حارس المرمى محمد شوقى، نهض عمر من على التراب معتبرا «خاروقة» الـ«نصرانى» إهانة، وصاح «مش جول» ليختلق مشكلة مع ميشيل، فأقسم الأخير بـ«المسيح الحى» أنها «جول»، فرد عليه عمر «والله العظيم مش جول ولو كترت هطلع... أهلك، يا ابن صليب الـ....»، فغضب ميشيل ودفع عمر فى صدره، فاجتمع عليه عمر وأحمد ومصطفى وباقى الفصل ولقنوه «علقة موت».
تعاطف التلميذ محمد النحيف نسبيا مع ميشيل، وأخذ بخاطره ونفض عنه التراب، وعرض عليه صداقته، لكن تلك الصداقة لم تصمد كثيرا، حيث بدأ محمد فى التردد على مصلى المدرسة لأداء صلاة الظهر، ثم أعتاد السماع إلى مدرس المجال الصناعى المنتمى إلى مجموعة الجهاد ببنى سويف التى كان يتزعهما الشيخ أحمد يوسف حمدالله فى منتصف ثمانينيات القرن الماضى.
كانت إحدى المهام الموكلة للشيخ علاء تجنيد أشبال للتنظيم، وبالفعل نجح فى «جرجرة» عدد لا بأس به من التلاميذ الصغار، فقط عاملهم باعتبارهم كبار «رجالة» يعتمد عليهم، حدثهم فى السياسة، روى عليهم كيف ضاعت فلسطين، وماذا فعل الصهاينة ببنى دينهم، وأقنعهم بأن جيلهم سيعيدها ويحرر الأقصى بعد أن تشتعل الثورة الإسلامية وتقضى على الطاغوت مبارك ورفاقه من الحكام العرب الذى لا يحكمون شريعة الله.
علم الشيخ علاء بعلاقة الصداقة التى جمعت محمد وميشيل، فاستلم أذن الطفل الذى لم يبلغ الثانية عشرة بعد، وبث فيها منقوع الطائفية والتعصب، «ميشيل مشرك.. تحب تحشر مع مشرك.. يحشر المرء يوم القيامة مع من أحب»، سمع الطفل تلك الكلمات وتملكته الحيرة ماذا يفعل، وسأل نفسه «طيب ما أمى بتحب طنط أليس صديقتها فى الشغل؟.. معنى كده أنها هتروح معاها النار!!»، وقرر أن يكمل علاقة الصداقة مع ميشيل.
دخل الشيخ علاء إلى محمد من مدخل آخر، وبدأ الحديث معه حول دعم الغرب الصليبى للاحتلال الإسرائيلى، وماذا يفعل الروس فى مسلمى أفغانستان، وميشيل وأهله ينحازون إلى هؤلاء فكلهم «نصارى».
قطع محمد علاقته بميشيل، وانخرط بشكل أعمق مع مجموعة الجهاد، يحضر الدروس فى مسجد الشادر ويسمع الشيخ مجدى كمال مفتى التنظيم وهو يتحدث عن النظام الكافر، وعن الثورة الإسلامية التى ستحكم شرع الله، وحينها سيدفع النصارى الجزية وهم صاغرون.
تملك التعصب من محمد وتحكمت الطائفية فى سلوكه، وأصبح كزميله عمر، الفارق أن الأخير يسب الدين لأى «نصرانى» مع أول مشكلة فى الفصل أو فناء المدرسة، بينما يأمر محمد الذى صار أميرا لمجموعة المدرسة بضرب ميشيل حتى يصير عبرة لباقى رفاقه الأقباط.
الطائفية واستباحة المسيحيين متجذرة فى صعيد مصر، فالمسلم سواء كان متدينا أو لا يركعها يرى أن إسلامه يعطيه أفضلية على «النصرانى»، يتعامل معه بطبقية شديدة، فلمجرد أنه مسلم يحق له الحصول على وظيفة ينافسه عليها مسيحى أكفأ منه، وكونه مسلما يلتحق بالكليات العسكرية وبالسلك القضائى، فيما يحصل الأقباط على الكوتة المحددة لهم، فى المقابل تتحكم مشاعر الأقلية فى سلوك المسيحى فيتنازل عن بعض حقوقه حتى تمضى الحياة بلا مشاكل ويربى أولاده على ذلك فيقتل فيهم روح المقاومة و«المقاوحة» لأخذ الحق.
فى دولة القانون تتساوى الحقوق والوجبات بغض النظر عن الديانة، وفى أشباه الدول، تحرق الأغلبية المسلمة بيوت الأقلية المسيحية، ويعرى «شراشيح» قرية الكرم بمركز أبوقرقاص الخالة سعاد المسنة القبطية فى الشارع ويستبيحوا عرضها وهم يعلمون أن الأمر سينتهى بإجبار العائلات المسيحية المستضعفة على قبول الصلح فى مجالس «الأنس».
إحنا آسفين يا ميشيل.. حقك على راسنا يا خالة سعاد.