التواصل الاجتماعى رصيد يمتلكه المجتمع، قد يكثر أو يقل، يعتريه الغنى أو الفقر شأنه شأن الأرصدة النقدية والممتلكات والأراضى، الخ. إذا زاد التواصل الاجتماعى بين الناس تتحقق لهم عدة مزايا منها الانسجام (تسوية الخلافات فى مهدها)، المعلومات (الاعلان عن الفرص المتاحة أولا بأول)، التضامن (الشعور بالمساندة الإنسانية وقت الاحتياج)، الحوار (مساحة للبوح، وتعددية الآراء)، وبالطبع من الممكن أن يكون الناس كثيرين، وما أكثرهم، ولكن حبال التواصل بينهم ليست مشدودة، أو مترهلة ضعيفة.
قرأت منذ أيام خبرا عن مجموعة من الشباب انشأت صفحة على «فيس بوك» للصداقة، أو ما سُمى «إيجار صديق» أو ما شابه، وهى موجودة فى دول أخرى، حيث تكثر صفحات التواصل الاجتماعى التى تتعلق بالتعارف، والصداقة بأشكال وصور مختلفة، الخ. وإذا كان فى السابق التعارف يحدث فى الواقع وجها لوجه، ثم يتطور إلى تواصل الكترونى، أصبح من الممكن الآن أن يكون التعارف الكترونيا فى العالم الافتراضى، وقد يؤدى ذلك إلى تعارف فى العالم الواقعى، أو لا يقود إلى ذلك.
حالة غريبة فى مجتمع يٌنظر إليه على انه مكتظ بالناس، تزول بينهم الحواجز، وتضعف جدار الخصوصية، حالة من الفرجة، الكل يشاهد بعضه بعضا، ويخوض فى تفاصيل حياة الآخرين. وبالرغم من ذلك يشكو الناس من ضعف التواصل الاجتماعى، ويبحثون عن صداقات فى العالم الافتراضى تسندهم فى الحياة، وتكمل نقصا لديهم. قد يكون ذلك مفهوما فى مجتمع غربى صناعى، جففت الحياة المادية فيه شرايين التواصل الدافئ بين الناس، وغلبت عليهم النظرة الاستهلاكية، والفردية، والتركيز المفرط على الشأن الخاص، ولكن ما تفسير ذلك فى مجتمع العائلة، والأسرة الممتدة، وأهل القرية، والمصلين التى تعج بهم المساجد والكنائس، والمقاهى التى تفيض بالزبائن، الخ؟
التفسير فى رأيى أن العبرة ليست بالكم ولكن بالكيف. نوع العلاقات الاجتماعية فى المجتمع المصرى بات رديئا، يفرضه مجتمع الزحمة. الناس تختلف، تتصارع، تحسد، تتحدث بغير علم، تلوك السمعة، تميل إلى الفرجة والمباهاة وتقليد الآخرين، ادعاء وافتعال، هكذا أصبح المجتمع يُظهر خلاف ما يبطن، ويتحدث المرء بلسانه خلاف مشاعر قلبه. هناك فائض فى العلاقات الرديئة، وضعف فى العلاقات الجيدة التى تقوم على احترام الخصوصية، والنقاش الهادئ، وتبادل الرأى، والعمل المشترك. يٌضاف إلى ذلك تعرض أجيال من الشباب إلى مؤثرات مختلفة ومتسارعة جعلت لكل منهم تفكيره، يبحث عمن يتفق معه، ولو فى الفضاء الالكترونى. الدليل على ذلك أن الناس تلتقى بعضها بعضا، بينما ينشغل كل واحد منهم بالتقليب فى هاتفه المحمول. يتصفح مواقع الكترونية، يبعث ويتلقى رسائل. نفس الأمر تراه فى الأسرة التى يجلس أفرادها معا فى حين أن كل واحد فى عالمه الخاص. الظاهر أن العلاقات الاجتماعية لم تعد تشبع الناس، فخرجوا إلى الفضاء الالكترونى. من هنا ليس مستغربا أن يبحث الناس عن الجديد فى العالم الافتراضى، صداقة، فرصة، علاقة اجتماعية، فى عالم تغيب عنه المحاذير التقليدية!