هناك بعض الأسماء الفنية التى دخلت عالمنا الخاص، كان من المفروض أن تكون صاحبة نجومية كبيرة، لكن الظروف الحياتية لعبت دورا فى إبعادها، واختفت دون متابعتها، ومن أبرز هذه الاسماء الممثلة كاريمان، والمونولوجست أحمد غانم بطلا فيلم «خالى شغل» اخراج حسن عامر1955، وهما الاسمان اللذان حملا المخرج روح المغامرة فمنحهما البطولة. خاصة كاريمان التى كانت أول مرة تعمل فيها ممثلة فى فيلم «الحموات الفاتنات» وبسبب الحماس الشديد لها فإن اسمها سبق زميلها النجم كمال الشناوى، عام 1953 وقد تعاملت معها السينما كنجمة استعراضية وممثلة، وكانت ذات جمال مقبول وجيدة الأداء قى أنواع متعددة، كما كان فى امكانها أن تؤدى أدوار الاغراء، وهى صالحة تماما لأدوار البنت الشقيقة مثلما رأيناها فى «علمونى الحب» لعاطف سالم 1957، لكن روحها الحاضرة وخفة ظلها فرضتا عليها نوعا من الأدوار تفوقت فيها، وأذكر أنها كانت أفضل من زميلاتها فى فيلم «بنات اليوم» إخراج بركات 1957، الا أن السينما منحتها دوما أدوار البنت الثانية سواء أمام فريد الأطرش فى «شاطئ الحب» أو أمام محسن سرحان فى فيلم «عفريت سمارة» اخراج محمود اسماعيل 1958.
أما أحمد غانم فقد ولد متألقا بقوة فى فيلم «قمر 14» 1950، إخراج نيازى مصطفى، وفى هذا الفيلم لم يكشف عن موهبته كمونولوجست، وبرع فى الكوميديا، وكان فيلمه الثانى «خالى شغل» هو البطولة المطلقة. وفيما بعد ابتعد عن السينما، واشتهر فى حفلات الستينيات بالاغنيات الساخرة، إلى أن آمن به المخرج أشرف فهمى وكان يقدمه فى أفلامة كنوع من التبرك به.
فيلم «خالى شغل» هو مغامرة انتاجية بكل المقاييس، والغريب أن تلك السمة كانت منتشرة جدا فى تلك الفترة، وأن يكون الفيلم بأكمله عبارة عن أسماء مجهولة تقريبا يتم تقديمه بمنطق «ياصابت ياخابت»، ولم يكن هناك تفسير لكن حسن عامر يود أن يحقق حلمه بتقديم فيلم بأى ثمن، فيكتب القصة، ويكتشف أن اسماعيل يس مشغول تماما وهو الذى مثل فى 18 فيلما فى العام الذى تم فيه تصوير الفيلم، فلم لا يغامر المخرج بمونولوجست شاب وليتنظر النتيحة، ومن الأفلام التى تم إنتاجها فى تلك الفترة لممثلين لا نعرف أسماءهم حتى الآن «فى صحتك» حول أثر الخمور فى حياة الرجال وأسرهم، ويبدو أن موضوع البطالة الفنية التى كان يعانى منها المخرج كانت الهاما للفيلم، فالموظف حسونة محترف طرد من الشغل، والوظيفة التى حصل عليها فى شركة للانتاج الفنى فى بداية الفيلم لم يزد التحاقه بها أكقر من يومين، وتم طرده كى يؤول مصيره إلى مقهى النشاط عند الرصيف المقابل، وهذا أمر طبيعى بالنسبة لحبيبته نوسة التى تتقبل الأمر بصدر رحب، وتحاول من ناحيتها أن تحصل على عمل كمطربة استعراضية، أما حسونة فانه لا يكف عن البحث عن وظيفة حتى يصير مونولوجست.
لكن للآسف فإن غانم لم يكن بارعا فى هذا الفيلم ولم يتمكن من الوصول إلى أى درجة من المقارنة مع زملاء تلك المرحلة فانخرس تماما عن الغناء السينمائى حتى نهاية حياته، كما أن المخرجين الآخرين استبعدوا كاريمان من الغناء فى كل افلامها التالية، وصار الفيلم بمثابة مرحلة تحول فارق فى مسيرة بطليه.
لم يكن أحمد غانم فى الفيلم جذابا مثل نجوم عصره خاصة اسماعيل يس وشكوكو، لذا تأخر فى عمله السينمائي، وقرر العمل فى الحفلات العامة ولم يترك أى صدى فى السينما، بينما تحركت كاريمان ببطء شديد، ولعلنا نذكر كيف فقدت رشاقتها فى واحد من أفلامها الأخيرة، وهو «مراتى مدير عام». أما فيلم «خالى شغل» فيبقى درسا أبديا لكل من يغامر لتقديم مثل هذه المغامرة أنها ستلقى المصير الذى حدث، ليس فقط فى عدم الإقبال، بل إن الفيلم دخل دائرة النسيان تماما، ولو أن المخرج تعامل بجدية مع الأمر لاستخرج من كاريمان وغانم ما فعله بركات فى «بنات اليوم» واشرف فهمى فيم بعد مع أحمد غانم.