الذرة من المحاصيل المهمة فى مصر، فعليه تعتمد الدولة على إنتاج أعلاف الدواجن، ومن خلاله يتم تحديد سعر الدواجن التى يشارك سعر الذرة بأكثر من ثلثى ثمن الثروة الداجنة إجمالا.
وفى مصر تقوم الدولة بالاستعداد سنويا لاستقبال الذرة المنتجة من قبل الفلاح، وذلك مطلع سبتمبر من كل عام ولمدة تصل إلى شهر كامل، تماما كما تنتظر إنتاج القمح من نهاية إبريل ولمدة شهر أيضا.
فى العام الماضى بلغت المساحة المنزرعة من الذرة نحو 2.7 مليون فدان كان منها 830 ألف فدان من الذرة الصفراء. المستهدف هذا العام هو زراعة 3 ملايين فدان، فالحكومة توقعت منذ بضعة أشهر أن يكون حجم المنزرع هو ذات الحجم فى العام الماضى، لكن استشعار الفلاح لارتفاع ثمن الذرة عالميا، بعد بدء الحرب الروسية الاوكرانية فى 24 فبراير الماضى، جعل الفلاح يتهافت على زراعة الذرة، والتى يتوقع البعض أن تتجاوز حجم زراعتها هذا الموسم لما يفوق 3.5 مليون فدان، منافسا بذلك المحصولين الرئيسيين اللذين كانا يزرعان فى نفس الموسم، وهما الأرز والمستهدف حكوميا منه هذا العام 1.1 مليون فدان تزرعها بالأساس محافظات مصب النيل، والقطن والمستهدف منه نصف مليون فدان.
والمعروف أنه كما يحدث فى القمح، فإن إنتاج مصر من الذرة لا يكفى الحاجة منه، لذلك تتجه الدولة للاستيراد من الخارج لسد الفجوة الكبيرة المعبر عنها فى 9.782 مليون طن عام 2020 و11.060 مليون طن عام 2019.
المشكلة اليوم هى أن الحكومة اتجهت إلى الزراعة التعاقدية بين الفلاح واتحاد منتجى الدواجن وشركات الأعلاف، بغرض توريد إجبارى للذرة المنزرعة، وذكرت على لسان وزير الراعة فى 17 مايو الماضى أن سعر التوريد المبدئى سيكون 6 آلاف جنية لطن الذرة العادية من الحبوب، ونحو 7 آلاف للذرة الصفراء. ولعل الغريب فى الأمر أن تلك الأسعار لا تتناسب على وجه الإطلاق مع أسعار الذرة فى السوق العالمية، فوفقا لموقع «أسواق للمعلومات» فإن سعر الذرة من التجار المصريين بلغ فى 19 يونيو الماضى 8050، و7950، و7980 للذرة من الأرجنتين والبرازيل، ومن رومانيا، ومن أوكرانيا. ما يعنى أن السعر المحدد من قبل الحكومة ممثلة فى وزير الزراعة، والوسيط بين الفلاح واتحاد منتجى الدواجن وشركات الأعلاف هو أقل بنسبة كبيرة عن السعر السارى فى الأسواق. وقد حددت بورصة شيكاغو سعرا آخر للذرة تسليم سبتمبر القادم بـ 7.38 سنت للبوشل الواحد (20.4 كجم)، ما يعنى أنه ورغم انخفاض أسعار التوريد من الفلاح المصرى، إلى أن سعر توريد القمح من الخارج لا يزال مرتفعا، بفارق يصل إلى 729 جنيها للطن الواحد للذرة العادية، وهى الغالبة.
المشكلة الرئيسة التى تواجه الفلاح الذى خصص أرضه هذا الموسم لزراعة الذرة، أنه رغم الزيادة الكبيرة بين سعر التوريد العام الماضى وسعره هذا العام، إلا أن تكاليف الإنتاج أصبحت مرتفعة للغاية. أبرز مثل على تلك التكاليف أن إيجار الفدان الواحد سنويا يصل إلى 11 ألف جنيه، أى نحو 3700 جنيه، يضاف لها عدد 2 شكارة ذرة إكثار أى 10 كجم تباع بـ 200 جنيه، فنقر الفدان بالحب المقدر بـ25ج للقيراط أى نحو 600 جنيه. وإذا أضيف لكل ما سبق سعر «شكارة الكيماوى» البالغة 275 جنيه، ويحتاج الفدان منها إلى 8، ومعظم هذا العدد يشتريه الفلاح من السوق السوداء، لأن الجمعيات الزراعية لا توفر إلا أقل من النصف (3 شكاير للفدان على الأكثر)، وثمن رى المساحة المنزرعة، وعددها نحو أربع مرات على الأقل، فى كل مرة يدفع الفلاح مبلغا كبيرا خاصة بعد ارتفاع أسعار السولار أخيرا، وإذا أضيف أيضا ثمن حرث وعزق الأرض ورش الدودة بالمبيدات الفتاكة ونفقات جمع المحصول وفركه، كل ذلك يساهم فى الوصول بالمحصول لمبلغ كبير، لا سيما وأن متوسط إنتاج الفدان من الذرة 10ــ12 إردبا.
بالطبع كان الفلاح يستطيع الهرب من التكلفة الكبيرة لإنتاج الذرة، رغم ارتفاع سعر التوريد عن العام الماضى، وذلك بزراعة محصول آخر، لكن حتى تلك الإمكانية أصبحت صعبة للغاية؛ لأنه حصل على «شكاير كيماوى» المدعم من الدولة من الجمعية الزراعية باعتبار الأرض مخصصة لزراعة الذرة، والكثير من الفلاحين تعاقد بالفعل مع اتحاد منتجى الدواجن للتوريد. لذلك أصبح الفلاح مضطرا للاستمرار، وإذا ما لم ترتفع أسعار الطن بشكل يتجاوز الـ7000 جنيه للطن للذرة العادية، فسنصبح أمام مشكلة إننا سندعم الفلاح الأجنبى ونترك الفلاح المصرى.