الدولار يصعب إسقاطه - قضايا إستراتيجية - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 3:53 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الدولار يصعب إسقاطه

نشر فى : الجمعة 28 يوليه 2023 - 8:50 م | آخر تحديث : الجمعة 28 يوليه 2023 - 8:50 م

نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب عدنان كريمة، يشير فيه إلى دور الدولار فى دعم النفوذ الأمريكى واستخدامه كورقة ضغط على روسيا وأتباعها، لذا تتجه بعض الدول الكبرى إلى محاولة تأمين نفوذها بعيدا عن الهيمنة الدولارية بالاعتماد على عملات أخرى مثل اليوان الصينى (أكبر خصم للدولار). لكن هذا لا ينفى قوة الدولار حتى الآن، فهو لا يزال الأقوى فى السيطرة على سيولة الاقتصاد العالمى... نعرض من المقال ما يلى:
أثبتت الوقائع التاريخية فى سجل العلاقات الدولية، أن الدولار الأمريكى منح الولايات المتحدة نفوذا ماليا وسياسيا كبيرا فى قيادة الاقتصاد العالمى، حتى وصفه الخبراء بأنه «سلاح قاتل» يمكن استخدامه فى الحروب الاقتصادية، وقوة ضغط فى المعارك العسكرية. وفى خضم الحرب الروسية ــ الأوكرانية المستمرة منذ أكثر من سنة، برزتْ قوة الدولار بصعوده اللافت أمام ست عملات رئيسة، وهو يخوض سلسلة حروب متكاملة بدأت بعقوبات مالية مشددة ضد روسيا ومن يتعامل معها، ولن تنتهى برفع أسعار الفائدة الأمريكية التى تجاوزت الخمسة فى المائة. لكن هذا السلاح الذى سيطر على الاقتصاد العالمى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بعد توقيع اتفاق «بريتون وودز» فى العام 1945، أى منذ نحو 78 سنة، بدأ يواجه منافسة استراتيجية قوية من عملات أخرى تسعى إلى اقتسام النفوذ معه، وكسر حدة «الهيْمنة الأحادية للقيادة الأمريكية». لا شك فى أن النفوذ السياسى ينعكس على النقد، الذى تبرز قوته ارتفاعا فى مستوى المعيشة. ولوحظ أنه حتى بدء الحرب العالمية الأولى، كانت بريطانيا الأقوى، وكان نقدها الأهم، لكن «القوة السياسية» انتقلت بعد ذلك إلى الولايات المتحدة، حيث أصبح الدولار هو النقد العالمى الأهم، وبعد الحرب العالمية الثانية أصبحت «دولة اقتصادية عظمى». فى كتابه «قوة العملات وعملات القوة»، جمع آلان ويتلى، وهو صحافى فى وكالة رويترز، مجموعة مقالات لخبراء اقتصاد وسياسات دولية تحدثوا عن نفوذ الدولار. وفى مقدمته يشير إلى أن المال يشترى السلطة والنفوذ، بخاصة بالنسبة إلى الدولة التى تصدر العملة الأكثر انتشارا فى العالم. ومن بين النتائج المترتبة عن ذلك قدرتها على تحمل الإنفاق العسكرى، وهذا بدوره يدعم جذْب الدولار بوصفه ملاذا. لكن مع ازدياد المخاوف من تداعيات عقوبات الغرب ضد روسيا، وخصوصا بعد تجميد نحو 300 مليار دولار للبنك المركزى الروسى فى الخارج، زادت وتيرة البحث فى خيارات التخلى عن الدولار كعملة احتياط، وسعت الصين والهند بقوة إلى الدفع بعملاتها إلى مكانة دولية عبر استخدامها فى تسوية تعاملاتها التجارية، ولاسيما بعدما حظرت العقوبات الغربية «سويفت» من التعامل مع الأموال الروسية، وكل من يتعامل معها. وتجنبا لإخضاع أموالهم للعقوبات، لجأ قسم كبير من البنوك المركزية إلى شراء «الذهب»، كملاذ أكثر أمانا، ووفق أرقام مجلس الذهب العالمى، بلغ حجْم الذهب الذى اشترته البنوك المركزية فى العام الماضى 1136 طنا، أى أكثر من ضعف الكمية المشتراة فى العام 2021 والبالغة 450 طنا. مع العلم بأن هذا الاتجاه ليس جديدا، وهو مسار بدأ منذ العام 2010، أى بعد الأزمة المالية العالمية فى العام 2008، والتى كانت بمثابة إنذار لاهتزاز الثقة بالعملة الأمريكية.
• • • فى سياق موجة الهروب من الدولار، عاد البحث فى إحياء صندوق للنقد الآسيوى، على غرار صندوق النقد الدولى. وعلى الرغم من تباين الآراء حول إمكانية كسْر «هيْمنة الدولار» فى المستقبل، تشير التوقعات إلى أن القوى الاقتصادية الكبرى قد يكون لها دور مهم فى استبدال الدولار بسلة من عملات مختلفة، لتقويض سيطرة العملة الخضراء. وقد ناقش رئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم مع الزعيم الصينى شى جين بينج فى زيارته الأولى لبكين، الخطوات التنفيذية لإنشاء مثل هذا الصندوق الذى قد يجعل الدول الآسيوية أكثر استقلالا بنظامها الداخلى الخاص، إذ يشكل منطقة عازلة ضد الأزمات الاقتصادية، ومواجهة تداعيات الحرب الروسية ــ الأوكرانية، وتأثير الدولار فى أسعار العملات المحلية. وكان مقترح صندوق النقد الآسيوى قد سبق له أن طرح للمرة الأولى فى أعقاب الأزمة المالية الآسيوية فى العام 1997، وذلك من قبل اليابان، وهى أحد المتضررين من الأزمة. لكن بعد نحو ثلاثة عقود، شهدت تطورات كبيرة ومتنوعة، لا بد من أخْذها بالاعتبار فى اتخاذ القرارات المصيرية، والتحالفات الدولية، وخصوصا أن العديد من الدول الآسيوية تعانى من تراجع اقتصادى نتيجة الاعتماد النقدى على الولايات المتحدة، وتمحْور نظام الاقتصاد العالمى حوله. كما أن الطموح الصينى والهندى بتبنى دور أوسع وأقوى فى القيادة العالمية الاقتصادية والسياسية، يدفع بهذا المقترح إلى الأمام، ويمنحه مزيدا من الزخم، لكن هناك عقبات عدة قد تعترضه، إضافة إلى أهمية التنافس بين الصين واليابان على زعامة الإقليم.. وفى هذا السياق يشتد الصراع بين أكبر تكتليْن اقتصادييْن فى العالم، أحدهما تكتل «البريكس»، ويضم روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا. أما التكتل الثانى، فهو يضم الدول الصناعية السبع بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى ألمانيا وكندا وفرنسا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة. ويعمل كل تكتل على إضعاف التكتل الآخر. وفى ميزان القوى، بلغتْ حصة «البريكس» فى الاقتصاد العالمى 31.5 فى المائة، وهى لأول مرة تتجاوز حصة مجموعة الدول السبع الكبار التى بلغت 30.7 فى المائة، وذلك وفق أحدث مؤشر نقلته مجلة «فوربس» عن معهد «أكورن ماكرو» البريطانى للاستشارات. وهناك دول عدة ترغب فى التعاون مع مجموعة «البريكس» قد يصل تعدادها إلى 30 دولة، إضافة إلى نشاط البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية، الذى يبلغ رأسماله 50 مليار دولار، وهو يتعاون مع أكثر من 50 دولة نامية. وعلى الرغم من كل هذه التطورات السلبية التى تهدف إلى الابتعاد عن الدولار، فقد خسر نحو 11 فى المائة من قوته فقط كعملة احتياط عالمية منذ العام 2016، وتراجعت حصته من 69 فى المائة إلى 58 فى المائة، وهو لا يزال الأقوى فى السيطرة على سيولة الاقتصاد العالمى. مع العلم بأن اليوان الصينى الذى يعتبر أكبر خصم له، لا تزيد حصته على 3 فى المئة؛ ما يدل على أن العالم لن يتخلى عن الدولار كعملة دولية فى المستقبل المنظور، وذلك لعدم توافر بديل يتمتع بما يحظى به من حجْم تعاملات وسيولة وسهولة التداول فى الأسواق المالية. لكن لا يمكن إغفال موجة التحدى للتوجه بالتخلى عنه فى المدى البعيد، فى حال تزايد عدد الدول التى لا ترغب بالتعامل معه.
النص الأصلى: https://bit.ly/3Qggepw

التعليقات