منذ أن اعلنت رئاسة الجمهورية عن قرار الرئيس مرسى قبول دعوة نظيره الإيرانى لحضور قمة عدم الانحياز والتى تنهى فيها مصر رئاستها لهذه الدورة وتتسلمها منها الجمهورية الاسلامية الإيرانية فى الثلاثين من الشهر الجارى، تراوحت ردود الفعل الداخلية والإقليمية والدولية بين مرحب بالزيارة معتبرا اياها مقدمة لتغير فى السياسة الخارجية المصرية، ومهاجم لها خوفا من أن تكون بمثابة تقديم دعم لنظام بشار الأسد ضد شعبه العزل، ومقدمة لفتح باب لنفوذ شيعى فى الدول السنية وعلى رأسها مصر، ومترقب لما يمكن ان تسفر عنه من تداعيات على المستوى الإقليمى والدولى واحتمالية إعادة تشكيل التحالفات المصرية الخارجية على أسس عقائدية. بين كل هذه التحليلات يقف عدد من الملفات العالقة فى العلاقة بين البلدين تنتظر مزيدا من التحليل.
•••
اول هذه الملفات ملف العلاقات الأمريكية بين كل من مصر وإيران. فالثابت تاريخيا ان التقارب المصرى الإيرانى ارتبط بتشابه العلاقات الثنائية بين كل منهما والولايات المتحدة الأمريكية. ففترات التقارب بين الدولتين كانت فى نفس الوقت إما فترات تقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية أو على العكس من ذلك فترات تباعد. فمصر وإيران فى الستينيات توافقتا فى مشروع يتصادم مع المشروع الغربى فى المنطقة، وتقاربتا على المستوى الثنائى. وعلى العكس من ذلك لعب التقارب الأمريكى مع الشاه فى السبعينيات والرئيس السادات دورا فى تقريب وجهات النظر بين الدولتين وقيام عدد من المشروعات الاقتصادية والمالية المشتركة. فى الوقت نفسه لا يمكن فهم العداء والتباعد المصرى الإيرانى خلال الأعوام الثلاثين الماضية دون ان ندخل معامل العلاقات الأمريكية مع كل من الدولتين فى التحليل. فى ضوء هذا تطرح العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل نفسها ولو بشكل غير مباشر على طاولة العلاقات المصرية الإيرانية. خاصة فى ضوء ما يبدو انه محاولات مصرية لرسم سياسة خارجية جديدة قد لا تتفق مع التوجه الامريكى بشكل كامل.
من اللافت أن المهمة الأخرى والتى استدعت هجوما داخليا على الزيارة المرتقبة ملف الدعم الإيرانى المادى والمعنوى لنظام بشار الأسد. من ثم تأتى زيارة الرئيس مرسى إلى إيران فى ظل هذه الظروف كأنها تقدم دعما غير مباشر للنظلم السورى مما استدعى تصريحا من رئاسة الجمهورية حول مدة الزيارة التى لن تمتد حسب التصريحات أكثر من خمس ساعات، وتقتصر على مراسم افتتاح القمة وتسليم الرئاسة إلى إيران، والتأكيد أيضا على ان الرئيس بالتأكيد سيتطرق لموضوع دعم إيران لبشار وسيعبر عن الرفض المصرى لهذا الدعم. السؤال الجوهرى هنا ليس ما إذا كانت مصر على لسان رئيسها ستحاول الضغط على إيران من أجل تغيير موقفها من بشار (إذا اعتبرنا زيارة لمدة خمس ساعات ضغطا وإذا ما افترضنا ان مصر راغبة وقادرة على ممارسة مثل هذا الضغط) ولكن السؤال الجوهرى هو ما إذا كانت إيران ستعيد حساباتها الاستراتيجية وترى ان تحولا عن دعم بشار لصالح دعم الشعب السورى وخياراته وان تقاربا مصريا إيرانيا يمكن ان يكون اهم وأجدى بالنسبة للطرفين وخاصة الطرف الإيرانى فى هذا السياق، خاصة فى ظل تصاعد وتيرة الاحتجاجات فى داخل إيران والمطالبة بمزيد من الحريات السياسية والاجتماعية والقمع المتزايد الذى تتعرض له مؤسسات المجتمع المدنى ونشطاؤه فى إيران.
•••
هذه التساؤلات تنقلنا إلى سؤال جوهرى اخر هو عنوان المقال لماذا طهران الآن؟ هل هذه بداية تغير فى السياسة الخارجية المصرية التى استقرت على شكل معين للتحالفات الإقليمية لم تكن إيران فيه دولة صديقة، بل تم التعامل معها فى بعض الأحيان على انها عدو. وإذا كانت الإجابة بنعم فما هى كروت إدارة العلاقة التى تمتلكها مصر فى هذا السياق والتى من الممكن ان تستخدمها فى إدارة العلاقة بشكل يحقق المصالح القومية المصرية فى المنطقة العربية والإسلامية، ولماذا تم اختيار مناسبة اجتماع دول عدم الانحياز وهى منظمة فارقتها الحياة والقدرة على المبادرة منذ عقود طويلة.
الواقع ان اختيار هذه المناسبة وقصر الزيارة وكونها على طريق عودة الرئيس من زيارة إلى الصين يسمح لمصر بكثير من المرونة فى إدارة العلاقات مع إيران والتنصل من تصعيد التقارب إلى مستوى اعلى فى حال ما إذا تزايدت الانتقادات الداخلية (من التيارات السلفية والليبرالية على حد سواء) أو الانتقادات الدولية (التخوف الأمريكى والإسرائيلى). فالمناسبة فى مجملها هى مناسبة بروتوكولية وساعات الزيارة لا تسمح سوى بالمجاملات الدبلوماسية العادية والمعتادة فى مثل هذه الظروف. ولكنها فى نفس الوقت تكسر جبل الجليد الذى كبر عبر سنوات المقاطعة وتسمح بالترتيب لمزيد من الزيارات على نفس المستوى أو أقل بما قد يمهد فى نهاية الامر لعودة العلاقات بين الدولتين وهو الامر الذى تخشاه قوى إقليمية ومصرية على حد سواء.
•••
لاشك ان مسألة التغيير والتجديد فى السياسة الخارجية المصرية على المستوى الإقليمى والدولى هى مسألة ملحة ومهمة فى محاولة مصر تحقيق أهداف ثورة 25 يناير، ولكن يجب ان يرتبط هذا التغيير برؤية استراتيجية وأدوات تستطيع مصر ان تستخدمها لأجل تحقيق هذه الرؤية التى من الضرورى ان ترتبط بالمصالح القومية المصرية بالأساس. السؤال هنا هل تمتلك القيادة الجديدة المنتخبة فى مصر هذه الرؤية الاستراتيجية والأدوات ام انها تدير العلاقات الخارجية بناء على الاعتبارات الايديولوجية ــ التقارب مع الدول الإسلامية ــ فقط، والعداء الايديولوجى للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. الواقع انه علينا ان ننتظر ما ستتم مناقشته فى هذه الزيارة القصيرة التى بالتأكيد ستكشف عن مضمون التوجه وما إذا كان جديدا وما إذا كانت جدته تعكس رؤية متوازنة للسياسة الخارجية المصرية وتوازناتها فى هذه المرحلة الجديدة.