يجب أن نتعلم من دروس الماضى، الأحزاب المصرية أصبحت عبئا على الجماهير وعليها أن تطور من أدائها وتغير من قيادتها.
كانت ثورة ٢٥ يناير ثورة شعبية بامتياز لم يطفئها سوى أداء قيادات الاحزاب والتيارات، القديم منها والجديد مرة بالتخاذل أو بالصمت بل أحيانا بالخيانة والصفقات. قامت الموجة الأولى من الأحزاب بعد الثورة وحاولت استثمار البيئة السياسية الجديدة ولكنها انقسمت إلى فسطاطين، أحزاب تسمى «إسلامية» وأحزاب «مدنية». كان أبرزها حزب الحرية والعدالة، النور، الوسط، العدل، المصريين الأحرار والحزب المصرى الديمقراطى.
ثم جاءت الانتخابات النيابية لتحدد الأوزان الحقيقة للأحزاب. وبدلا من أن تحول الاحزاب المصرية واقع الناس ومشاكلهم إلى مشاريع قوانين وسياسات توفر للناس الأمن وحدا أدنى من الكرامة الإنسانية باتت الأحزاب كلها متعثرة وعاجزة عن القيادة ثم انتهى المشهد بحل مجلس الشعب.
●●●
عقب الانتخابات الرئاسية تشكلت كتل تصويتية جديدة خلف المرشحين. فأنشأ بعض مؤيدى عبدالمنعم أبوالفتوح حزب مصر القوية وشكل أنصار حمدين صباحى التيار الشعبى، وترأس عمرو موسى لتجمع أحزاب تحت مسمى المؤتمر كما ترأس شفيق لحزب الحركة الوطنية المصرية والاثنين أغلب أعضائهم من بقايا الحزب الوطنى. ثم خطا البرادعى أولى خطواته بعد الثورة فى الإلتحام المباشر مع الجماهير بإنشاء حزب الدستور.
بعد أداء فاشل للرئيس السابق وجماعته تحول الحزب الحاكم «الحرية والعدالة» إلى حزب مطارد أعضاءه ومسجونة قياداته ومهددا بالحل. حزب الوسط قياداته قيد التحقيق والنور يعانى من أزمات متتالية بدءا من انشطار جزء منه إلى حزب الوطن ثم أزمته الحالية مع مؤيديه لمشاركته فى إخراج مشهد ٣٠ يونيو. والتيار السلفى منقسم بين مبررا للانقلاب أو صامتا عنه وآخر محاربا له.
أما عن التيار «المدنى» فقد عجز عن مواجهة التيار «الإسلامى» بالصناديق وتوارى خلف حركة شعبية وشباب مدعوم من أجهزة الدولة حتى وصل للحكم بمساعدة الدبابات. ثم فقد حزب الدستور أهم ميزة له وهو قيادة البرادعى وخروجه من المشهد السياسى فى الوقت الحالى.
●●●
فى الأنظمة الديمقراطية المستقرة عادة ما يكون الصراع الحزبى بين التيارات الفكرية الكبرى. ولكننا غير مستقرين بل نمشى فى اتجاه قد تصبح فيه الديمقراطية حلما بعيد المنال. فبعد أن عاد قانون الطوارئ ووحدة النشاط السياسى بجهاز الأمن الوطنى بالتوازى مع صدور المسودة الأولى لتعديلات الدستور والتى تقترح النظام الفردى لخوض الانتخابات البرلمانية، يصبح مستقبل الأحزاب فى خطر شديد.
ومع ذلك فنحن أمام لحظة يتشكل فيها المشهد السياسى مرة أخرى، أحزاب تندثر وأحزاب مهددة وأحزاب لديها فرص كبيرة إذا أحسنت التعامل مع المشهد.
التيار الاسلامى وأبرز أحزابه الحرية والعدالة والوسط والنور والوطن، ومشكلته أن جزءا كبيرا من مؤيديه يرون ٣٠ يونيو كانقلاب عسكرى لذا فمشاركتهم فى الانتخابات النيابية المقبلة هو أمر مشكوك فيه وانحسر تأييده فى كتلته الصلبة العقائدية بالإضافة للمتعاطفين معه بعد فض اعتصام رابعة.
التيار المدنى القديم ويقوده الوفد والمؤتمر، وهو التيار صاحب العلامات التجارية التى تعبر عن الاستقرار والبراجماتية الشديدة، لذا فهو له نصيب فى الانتخابات القادمة ولكنه غير ممثل لصوت الثورة، ليس فقط لتكلس قياداته وإنما لعجزهم ايضا عن فهم الثورة كممارسة وكمبادئ.
التيار المدنى الحديث ويقوده الدستور، المصريين الأحرار والمصرى الديمقراطى ويدعمهم جزء من التيار الشعبى. وهو التيار الذى يتصدر مشهد ٣٠ يونيو ويشارك فى الحكومة الحالية بقوة، ولكن انسحاب البرادعى واعتبار هذه الخطوة خيانة للوطن من قبل تيار الاستقرار أدى إلى فقدان التيار المدنى الحديث إلى تأييد هؤلاء. كما فقد ذلك التيار تأييد جزء كبير من معسكر الثورة والذى اعتبر صمت التيار عن المجازر والقتل نوع من الانتهازية السياسية. ومع ذلك فهذا التيار أمامه فرصة كبيرة فى الانتخابات المقبلة فى حالة توحده ولديه فرصة فى المستقبل وفقا لأدائه تحت القبة.
التيار القومى ويمثله الأحزاب الناصرية وجزء من التيار الشعبى، والتيار اليسارى ويمثله التحالف الاشتراكى والتجمع، هذان التياران ليس لديهما تنظيم حزبى قوى ولكن لديهما جزء من الكتلة التى صوتت لصباحى فى الرئاسة ممثلة بتنظيم التيار الشعبى. بالإضافة إلى معاناة تيار اليسار من ضعف التمويل بحكم انحيازاته البعيدة عادة عن مزاج كبار الممولين، كما لم يقدم التيار القومى أى شيء جديد منذ وفاة عبدالناصر.
يبقى تيار الوسط وهو الذى يعانى دائما من وصفه بالرمادية وميوعة المواقف كونه بين طرفى استقطاب يريد كل منهما الإجهاض على الآخر. ومن ممثلى هذا التيار حزب مصر وحزب مصر القوية. أمام هذا التيار الوسطى مساحة واسعة ليملئها والوسطية تعنى الاعتزاز بالهوية وفى نفس الوقت الايمان بمقومات الدولة الحديثة. يحتاج هذا التيار أن يبرز من خلال ممارساته العملية لفكرة الوسطية وتقديم قيادات جديدة تعبر عن هذه الفكرة. ووسط القذف الإعلامى من طرفى الاستقطاب عليه أن يثبت أنه حالة منفردة غير تابعة وأن يكون متفاعلا مع الأحداث بشكل إيجابى.
●●●
المنافس الأكبر للأحزاب سيكون المستقلين سواء كانوا من ممثلى القبائل وكبار العائلات والضباط المتقاعدين أو رجال الأعمال، وهؤلاء سيكون لهم حظ كبير فى الانتخابات المقبلة.
أمام الأحزاب المصرية فرصة جديدة لتجمع شتاتها وتلتحم مع الجماهير ولكن كل ذلك يتوقف على مناخ سياسى سليم وهو مهدد بشكل كبير فى الوقت الحالى بسبب العقلية الأمنية التى تدير المشهد برمته.