التمييز الأمريكى بين سنغافورة ورواندا.. كلمة إفريقيا هى السر - دوريات أجنبية - بوابة الشروق
الإثنين 16 سبتمبر 2024 10:07 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التمييز الأمريكى بين سنغافورة ورواندا.. كلمة إفريقيا هى السر

نشر فى : الأربعاء 28 أغسطس 2024 - 7:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 28 أغسطس 2024 - 7:10 م

 أول شىء يجب على المسافرين فعله عند عبور الحدود من أوغندا إلى رواندا هو غسل أيديهم وتعقيمها. ينبغى ألا تفاجئ هذه الخطوة أحدًا لأن رواندا هى أنظف دولة إفريقية. قبل ستة عشر عامًا، أصبحت من أوائل الدول فى العالم التى حظرت الأكياس البلاستيكية. فى حين أنه من الشائع فى جميع أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط إلقاء القمامة من نوافذ السيارات أو إسقاطها أثناء المشى، إلا أن رواندا تعتبر خالية من هذا السلوك. فبجانب العقوبات الصارمة على رمى النفايات أصبحت النظافة جزءًا من ثقافة الدولة.

لقد أصبحت رواندا، التى دمرتها الإبادة الجماعية ضد قبيلة التوتسى قبل ثلاثة عقود فقط، مستقلة ومكتفية ذاتيًا. ونفذ الرئيس بول كاجامى برنامجًا واسع النطاق للتغيير الثقافى الذى يؤتى ثماره اليوم، وإن كان على حساب التغيير الانتخابى. ففى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، على سبيل المثال، تبنى المسئولون الاستعماريون البلجيكيون علم تحسين النسل كوسيلة لتصنيف السكان المحليين. لذا يسعى كاجامى إلى الاستقرار بمحو أى تمييز بيروقراطى بين الهوتو والتوتسى من أجل إعادة رواندا إلى وقت حيث لم تكن هناك هذه التعددية. واليوم، يخدم الهوتو تحت قيادة التوتسى فى الجيش والعكس صحيح. ويخدم المسيحيون الروانديون جنبًا إلى جنب مع مواطنيهم المسلمين، وتنتشر الكنائس والمساجد فى نفس الشوارع.

ويشير الكاتب إلى تأثير التحول الثقافى الذى شهدته رواندا فى الاقتصاد. فقبل عقدين فقط من الزمان، كانت رواندا فى مرتبة واحدة مع لبنان من حيث الفساد. واليوم، تشير منظمة الشفافية الدولية إلى أن رواندا تتفوق على العديد من الدول الأوروبية فى مجال الحكم النظيف. وإلى جانب بوتسوانا، تعد رواندا الدولة الأقل فسادًا فى القارة الإفريقية. وأثمر استثمار البلاد فى الحكم النظيف والتركيز المتزامن على التعليم فى تدفق المستثمرين إلى رواندا، وزيادة نصيب الفرد من الدخل بمقدار عشرة أضعاف منذ الإبادة الجماعية. وما تشهده رواندا اليوم لا يختلف كثيرًا عما شهدته سنغافورة فى سبعينيات القرن العشرين.

إن رواندا لا تعمل فقط كأسبرطة الحديثة بل أيضًا كأثينا، على الأقل من حيث التجارة. ففى موزمبيق وجمهورية إفريقيا الوسطى، مكّن الأمن الذى خلقه الروانديون من الاستثمار والتجارة، خاصة فى القطاع الزراعى. وعلى الرغم من كل ذلك، حافظت رواندا على سياسة متوازنة. ولم تقع فى فخ الديون الصينية مثل جيبوتى، ولم تبع روحها لروسيا مثل مالى. وفى الوقت نفسه، ضاعف كاجامى من جهوده فى دعم الصناعة المحلية فى رواندا دون أن يصبح انعزاليًا.

• • •

ولكن من المفارقات العجيبة أن تتعامل وزارة الخارجية الأمريكية مع رواندا وكأنها دولة منبوذة. ففى حفل تنصيب كاجامى فى وقت سابق من هذا الشهر، مَثل نائب رئيس البعثة فى السفارة جون أرميجر، الذى كان فى البلاد لأقل من أسبوع، الولايات المتحدة فى حين حضر ستة وعشرون رئيس دولة أو حكومة إفريقية، فضلًا عن كبار المسئولين الصينيين والروس والأوروبيين. وكان هذا المشهد متعمدًا. فقد غادر السفير الأمريكى إريك نيدلر، الدبلوماسى المرموق الذى يعرف جيدًا أنه لا ينبغى له أن يأخذ إجازة تتعارض مع حدث سياسى كبير فى البلاد، فجأة على ما يبدو بناء على أوامر من رؤسائه فى وزارة الخارجية.

والسؤال هو لماذا تعامل إدارة بايدن رواندا بهذا القدر من الازدراء؟ ولنتأمل على سبيل المثال حالة سنغافورة. فقد لاحظت منظمة فريدوم هاوس أن سنغافورة عندما نالت استقلالها عن بريطانيا فى عهد لى كوان يو، أول رئيس وزراء لجمهورية سنغافورة، لم تكن أكثر من مجرد منطقة نائية قذرة. وبحلول الوقت الذى تنحى فيه لى عن منصبه فى عام 1990، أصبحت واحدة من التنانين الصغيرة الأربعة الشهيرة، إلى جانب تايوان وكوريا الجنوبية وهونج كونج. والفرق بين سنغافورة ونظيراتها من التنانين هو تنوعها، حيث يعيش الصينيون والماليزيون والبوذيون والمسيحيون والهندوس والمسلمون جنبًا إلى جنب.

فى حين تصر وزارة الخارجية الأمريكية وجماعات حقوق الإنسان على عجز كاجامى المزعوم عن تحقيق الديمقراطية، فإنها تتجاهل أنه يتبنى فى الأساس نفس الاستراتيجية التى باركتها عندما تبناها لى. والواقع أن الفارق الوحيد كان أن كاجامى ورث أرضًا قاحلة مزقتها الإبادة الجماعية وليس مجرد منطقة نائية.

فى عام 2016، تحدث رئيس وزراء سنغافورة لى هسين لونج عن كيفية تغلب سنغافورة على الفساد. وأشاد بالنظام النظيف نسبيًا الذى ورثته سنغافورة من السلطات الاستعمارية البريطانية والاستثمار الذى قام به زعماء سنغافورة بمرور الوقت لضمان الرفض الشعبى للفساد. ومع ذلك، فإن مقارنة تجربة كيجالى (عاصمة رواندا) بتجربة سنغافورة تجعل تحول رواندا يبدو أكثر إثارة للإعجاب. ففى حين كان بإمكان سنغافورة استخدام الإرث البريطانى كنقطة انطلاق، لم يكن لدى كاجامى سوى رماد الإبادة الجماعية للعمل معه. كما تتمتع سنغافورة بجيران أفضل: فلا تشكل ماليزيا تهديدًا وجوديًا للدولة. أما فى حالة كيجالى، فيدرب مرتكبو الإبادة الجماعية الهوتو مجموعة جديدة من الإرهابيين عبر الحدود فى جمهورية الكونغو الديمقراطية على مرمى البصر من الحدود الرواندية.

فى نفس السياق، بينما تحتفل وزارة الخارجية الأمريكية بسنغافورة، حتى أن نائبة الرئيس كامالا هاريس زارتها فى عام 2021، فإنها تحافظ على مسافة بينها وبين رواندا. ربما يشعر التقدميون فى وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بالاستياء من ثقة كاجامى بنفسه واستقلاله. لا شك أن رواندا لديها مشاكلها، لكن جماعات حقوق الإنسان غالبًا ما تبالغ فى الشكاوى. على سبيل المثال، ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش الشهيرة، فى عام 2017، أن رواندا أعدمت عددًا من اللصوص الصغار، ليظهروا على شاشة التليفزيون بعد أسابيع وهم أحياء.

قد يكون هذا قاسيًا، لكن من الصعب الهروب من الاستنتاج القائل بأن السبب وراء معاملة وزارة الخارجية الأمريكية لرواندا بهذه الدرجة من السوء مقارنة بالدول النظيرة هو أنها إفريقية. وعلى أقل تقدير، هذا هو الاستنتاج الذى يهمس به ليس الروانديون فحسب، بل أيضًا العديد من الأفارقة الآخرين اليوم.

مايكل روبن

مجلة The National Interest"

ترجمة وتلخيص: وفاء هانى عمر

النص الأصلى

التعليقات