عن هيبة الدولة - أمل حمادة - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 1:07 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن هيبة الدولة

نشر فى : الأربعاء 28 سبتمبر 2011 - 10:45 ص | آخر تحديث : الأربعاء 28 سبتمبر 2011 - 10:45 ص

علمنى أساتذتى فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية أن الدولة تتكون من عناصر ثلاثة: الأرض والشعب والحكومة، وأضافوا إليها عنصرا سموه فى بعض الاحيان السيادة وفى بعض الاحيان الاعتراف الدولى، ولم يذكر أساتذتى أى شىء عن هيبة الدولة مما جعله مفهوما غائما يفسره كل على حسب رؤيته أو مصلحته. تذكرت هذه المعلومات لمناسبتين مررت بهما على المستوى الشخصى والعام فى الأسبوع الماضى. فأما المناسبة الاولى فكانت مناقشة بينى وبين ولديى المراهقين حول تعريف القوة، وهل ترتبط فقط بالعضلات أم أن لها عناصر أخرى. وكان الأكبر يصر على أن الحل أمام الشرطة أن تضرب بيد من حديد لتضمن «الخضوع» بينما أصر الأصغر على أن العضلات مسألة مؤقتة، وأنها فى الحقيقة لا تضمن خضوعا؛ وإن ضمنت انهاء مؤقتا للمواجهة. أما المستوى العام فهو حالة الفزع التى تبعت أحداث السفارة الاسرائيلية، وتباكى الكثيرون على هيبة الدولة التى ضاعت نتيجة عدم قدرة الشرطة على فرض الأمن، وما حدث من البعض من تحطيم لرموز سلطة أمنية، ولسور حمى سفارة دولة استهانت بمصر فانتهكت سيادتها، واستهانت بمواطنيها فقتلت جنودا وضباطا، دون أن يستتبع ذلك رد فعل يحافظ على الأرض والشعب من قبل الحكومة. فرضت هاتان الحادثتان علَّى مراجعة لمقولات الدولة وهيبتها، ما هو تعريف الهيبة وما أهميتها من الأصل، وما هو الخلل الذى أصاب هيبة الدولة المصرية؟.

أدركت فى لحظة فارقة وبعد متابعة كثير من المقالات والبرامج وتعليقات النشطاء فى الفضاء الإلكترونى أننا أسأنا للهيبة بقدر ما أسأنا لمصر. فقد اختزلنا هيبة الدولة فى هيبة الامن، ثم اختزلنا الأمن فى الشرطة، ومن ثم أصبحت الاعتراضات/ الانتقادات/ المواجهات/ التجاوزات/ الاعتداءات على الداخلية ورموزها هى اعتداء على هيبة الدولة، وبكينا جميعا على ضياعها. والواقع ان هيبة الدولة لابد ان ترتبط فى بعض عناصرها بقدرة اجهزة الدولة على فرض سلطتها بالقانون على مواطنيها، وهو ما يعنى استخدام الدولة واجهزتها للقمع، ولكنها تتجاوز ذلك لتضم عناصر اخرى تجعل هيبة الدولة امرا مجتمعيا واقتصاديا وسياسيا وليس فقط أمنيا.

اقنعنا نظام مبارك والنظام الدولى ان الهيبة لا تتحقق إلا بالقمع؛ فهيبة الولايات المتحدة الأمريكية تنتهك باعتداءات الحادى عشر من سبتمبر وتستعاد من خلال حرب طالت سنوات عشر وقتلت الحرث والزرع والناس ولا يبدو لها نهاية. وهيبة نظام مبارك حافظت عليها اجهزة الامن من خلال قمع الحريات والقبض على المعارضين واسكات كل صوت بدا له انه من الممكن توجيه انتقاد حقيقى للنظام وأن يحلم بإمكانية للتغيير. وانسحبت الدولة من كل المجالات التى هى فى الحقيقة جوهر هيبتها، فتركت التعليم لمن يدفع اكثر واهملت التعليم الحكومى إلى الدرجة التى اصبحنا فيها جميعا أميين، وانسحبت من قطاع الصحة وتركته للمستشفيات الخاصة، التى يموت فيها الغنى بالرغم من امتلاكه ثمن الدواء، وساءت حالة المستشفيات العامة وتحولت إلى مآسٍ تجمع قصص المصريين من مرضى الكبد والسكر والضغط، وأهملت قطاعى الزراعة والصناعة لتتحول مصر هبة النيل إلى دولة لا تملك قرارها بعد ان خسرت قوتها، وتنشغل مصانعها بتجميع المنتجات الاستهلاكية بدلا من ان تركز بعض جهودها واستثماراتها للسلع الاستراتيجية التى تضمن هيبة الدولة المصرية داخليا وخارجيا.. وخضنا معارك وهمية حول استضافة المونديال ورئاسة اليونسكو وتباكينا على خسارتهما وضياع هيبة مصر فى وجه المؤامرات الدولية! ونسينا وتناسينا أن كرامة المصريين فى الخارج هى جزء من هيبة الدولة، فغضضنا الطرف عن انتهاكات لحقوق الإنسان وحقوق المصريين العاملين فى الخارج.

واليوم وبعد أكثر من سبعة شهور على انفجار الموجات الأولى للثورة الشعبية، ما زلنا ندور فى نفس الفخ القديم: هيبة الدولة هى من هيبة الأمن والأمن هو الشرطة ولا غير. وأظن أنه علينا أن ندرك جميعا ضرورة إعادة تعريف الأمن ليشمل أبعادا أكثر إنسانية ووطنية: فالأمن هو أمن اقتصادى وسياسى واجتماعى، هو منظومة متكاملة ومسئولية كل الوزراء وكل المواطنين. وهيبة الدولة لا تضيع حينما تحدث مواجهات عنيفة بين متظاهرين اجهدهم انتظار ان تقوم حكومة الثورة والمجلس العسكرى بالاعتراف بهم وبمطالبهم، وجهاز أمنى يصر على عقليته القديمة وأساليبه، التى كانت سببا رئيسيا فى الدعوة لتظاهرات 25 يناير. ولكن هيبة الدولة تضيع حتما حينما يجتزئ، وتختزل الثورة فى صينية ميدان التحرير وجدار حماية السفارة الإسرائيلية وإصرار إعلام مشكوك فى ولائه للثورة على ضياعها وضياع مصر معها. علينا جميعا ان نبحث عن تعريف جديد لماهية السلطة وعلاقتها بالمواطن، وهل تقوم على فكرة الاخضاع دائما (كما يتصور السلطويون)، أم احيانا (كما يتصور المترددون بين السلطوية والديمقراطية)، أم ابدا (كما يتصور الفوضويون). مصر التى أؤمن بهيبتها ترتبط بجمهورية حديثة تنطلق مؤسساتها من الواقع السياسى والاجتماعى والاقتصادى والثقافى، وتهدف للوصول إلى مستقبل افضل للجميع للأفراد والمؤسسات. هيبة جمهورية مصر العربية ترتبط بحكومة تؤمن بدورها التشاركى مع الجماهير، فى توفير فرص النمو والتطور للقطاع الخاص، وفى توفير الحماية للفئات الاجتماعية الأضعف والأفقر، هيبة الدولة تبدأ مع قدرتها على حماية مواطنيها فى الداخل والخارج ضد الفقر والبلطجة وضد انتهاك حقوقهم الإنسانية، ولا تنتهى مع قدرتها على الوفاء بالتزاماتها الدولية على المستوى الإقليمى والدولى.

إلى الباكين على هيبة الدولة: أعيدوا النظر فيما تربينا جميعا على أنه جوهرى، فسنكتشف جميعا أنه فى الحقيقة كان المسمار الأول فى انهيار الهيبة وانهيار الأمن وانهيار النظام السياسى كله.

أمل حمادة مدرس العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات