فى مطلع عام 2007 ومع تصاعد الإضرابات والاعتصامات المطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية لعدد من الفئات الاجتماعية، نشط شيوخ ودعاة ما يسمى بـ«السلفية المدخلية» ليحذروا الناس من خطورة تلك التحركات.
وفى خطبة له أكد الشيخ محمد سعيد رسلان أحد رموز هذا التيار فى مصر أن «الاعتصامات والمظاهرات والعصيان المدنى وتحريك الجماهير من أجل إحداث ثورة هو من عقائد الخوارج». وشن رسلان حينها هجوما حادا على الصيادلة المصريين بسبب عقدهم إضرابا اعتراضا على تشريع قانون جديد رأوا فيه إجحافا بحقوقهم.
وبحسب ما نقله زميلنا صلاح الدين حسن، الصحفى والباحث المتخصص فى ملف الحركات الإسلامية فى دراسته «السلفيون المداخلة فى مصر»، فقد أصل رسلان لحرمة الإضرابات والاعتصامات شرعيا، وساق فى سبيل دعم حجته بعض الفتاوى التى صدرت عن بعض كبار فقهاء السعودية ومنها فتوى للشيخ صالح الفوزان قال فيها: «ديننا ليس دين فوضى، ديننا دين انضباط ونظام، المظاهرات ليست من أعمال المسلمين.. دين الاسلام دين هدوء ورحمة لا فوضى فيه ولا تشويش ولا إثارة ولا فتنة والحقوق تؤخذ بالمطالبة الشرعية».
واعتبر رسلان الاضرابات تخالف أصلا من أصول أهل السنة فى معاملة الحكام، ووصف الدعوة إلى الاضراب العام بـ«الدعوة إلى الإضرار العام»، مؤكدا أن من يحرك الدعوة إلى «الإضرار العام» هم من حارب الدين ويحاربه ويعتدى على الدين وثوابته.
منح نظام مبارك لهذا الرسلان ورفاقه من تيار المداخلة ــ الذى ينتمى فكريا إلى الداعية السعودى ربيع بن هادى المدخلى ــ منابر ومساجد ومساحات فى التلفزيون الرسمى للدولة ينفث فيها أفكاره، ظنا منه أن هؤلاء قادرون على تضليل الناس باسم الله، خاصة أن بعضهم قد شرعن لمسألة «توريث الحكم لجمال مبارك» بدعوى «عدم شق عصا الجماعة» إلا أن الوعى الجمعى للشعب المصرى رفض تلك الفتاوى الضالة وثار ضد مبارك وخلعه وأنهى مشروع التوريث فى 25 يناير.
مساء أمس الأول وجه الشيخ رسلان، رسالة إلى المصريين، عبر فيديو على موقع «يوتيوب»، طالبهم فيها بطاعة ولاة أمورهم، وعدم الخروج على الحاكم، واصفا من ينتقدون الحاكم بـ«الخوارج».
وقال رسلان فى رسالته «أيها المصريون إن المصلحة العليا تفرض عليكم أن تصطفوا خلف قيادتكم البصيرة، ولا يجادل إلا مكابر فى هذه الحقيقة، وهى أن المصريين فى هذا الظرف التاريخى العصيب الذى تمر به مصر لن يجدوا أفضل وأبصر ولا أقدر على مجابهة التحديات والصعاب من قيادتهم التى قدر الله أن تحمل الأمانة».
وحذر رسلان فى بيانه قائلا: «إن هذا العام وتحديدا فى الفترة من يونيو 2017 وحتى يونيو 2018، هى أخطر عام فى تاريخ مصر المعاصر، فإما سلامة واستقرار، وإما انهيار وتفكك وفوضى وما يتبع ذلك من الخوف والفزع والجوع والعرى والهجرة إلى شتى بقاع الأرض كالأيتام على موائد اللئام».
لكل حاكم فقهاء ومشايخ يشرعنون للناس سياسته، ويدعونهم إلى طاعته حتى لو من باب الصبر على الابتلاء، لا يبتغى هؤلاء بفتاواهم إلا وجه السلطة، لا مانع لديهم من أن يدعوا الناس إلى الشىء ثم يقنعوهم بنقيضه، يحرمون الإضرابات والمظاهرات ضد حاكم ويدعون الشعب إلى طاعة ولى الأمر و«أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ» وبعد سقوطه يباركون جهاد شباب الثورة ضد الطاغية، من باب إِنَّ «مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ كَلِمَة عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ».
وعى الشعب تجاوز «كاتالوج» التضليل الكلاسيكى، فمرراة الواقع أقوى من أن تغيرها عمليات خداع أو محاولات تطويع تارة باسم الله وأخرى باسم الوطن.