المصافحة الأولى بين الرئيس عبدالفتاح السيسى ونظيره التركى رجب طيب أردوغان على هامش افتتاح كأس العالم فى قطر، ربما لن تكون الحسنة الوحيدة لهذا العرس الكروى الذى يجذب عشاق الساحرة المستديرة حول العالم للمتابعة والاستمتاع بأيام وليالى المونديال الذى يقام كل أربعة أعوام، وينتظره الجميع بلهفة تعكس مدى الشغف لدى الشعوب بلعبة تستحوذ على قلوب وأفئدة الملايين من البشر.
وعلى الرغم من الحرص الشديد عن أبعاد الأنشطة الرياضة عن الأهداف والأغراض السياسية، إلا أن أحدا لا يستطيع إنكار أن الفصل التعسفى بين الرياضة والسياسة أصبح أمرا صعب المنال، فقد أضحت الرياضة عموما، وكرة القدم خصوصا، ميدانا للتعبير عن قدرات الأمم والشعوب على استثمار المواهب، وتنظيم الأفراد لخوض «المعارك السلمية» على البساط الأخضر، والتنافس الحميد بديلا عن الصراعات والحروب.
هذا الأمر لا ينفى سعى بعض الأنظمة إلى استغلال كرة القدم للالتفاف على إخفاقات حياتية، وتمرير قرارات سياسية بالخصم من مصالح الناس، لكن اليوم ومع قوة وسائل الإعلام وشراسة مواقع التواصل الاجتماعى «السوشيال ميديا» أصبحت قدرة الأنظمة الاستبدادية على توظيف أقدام اللاعبين لخدمة أهدافها مكشوفة، وبات لدى الشعوب حس أعلى فى التفرقة بين الاستمتاع بمتابعة اللعبة الشعبية الأولى عالميا والوقوع فى براثن حفنة من الساسة المستغلين.
السياسة وإن كان حضورها فى الرياضة يخالطه بعض السلبيات، إلا أن الإيجابيات غير غائبة وخاصة فى الأحداث الكروية الكبرى على غرار كأس العالم التى تدور مبارياتها حاليا فوق الملاعب القطرية، بمشاركة أربعة فرق عربية، تابعنا كيف ألهبت مشاعر الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، فى مشهد أصاب باليأس والقنوط دعاة التجزئة، والمشككين فى عروبة بلدانهم، وأولئك الكارهين لأى سعى فى هذه المنطقة إلى التعاون والتعاضد.
خلف أربعة منتخبات عربية ظهرت الروح القومية لجماهير مساندة ومؤازرة للسعودية وقطر وتونس والمغرب، لا فرق بين مشرق ومغرب، كما يحاول البعض تقسيم الآمال والأحلام، لمنع خروج العرب من هوة التخلف وامتلاك ناصية القوة فى الذود عن مقدراتهم وحق شعوبهم فى العيش الكريم فى ظل أنظمة حديثة متطورة يمكنها مواجهة التحديات التى يفرضها عصر متقلب تتنازعه الأوبئة والصراعات بين الأمم والشعوب.
لا يهم من فاز ومن لم يوفق من المنتخبات العربية، فالمشاركة فى التنافس مع باقى البلدان مكسب فى حد ذاته، فقد أتاح المونديال تقديم العربى على وجهه الحقيقى، كريم متسامح محب لبنى البشر، وليس على الصورة المشوهة التى أرادها نفر من الإرهابيين ودعاة العنف والتطرف باسم الدين، هؤلاء الذين ابتليت بهم المنطقة وهى منهم براء.
مساندة المنتخبات العربية بكل حماس لم تكن وحدها التى تعكس وجه العروبة فى الملاعب وأمام شاشات التلفاز، فقد رأينا كيف كانت فلسطين حاضرة، وكيف رفعت الأعلام الفلسطينية فى وقت كانت قوى الاحتلال الإسرائيلى تواصل عملياتها الوحشية ضد شعب يناضل من أجل الحصول على حقه القانونى والأخلاقى لاسترداد أرضه، مقدما التضحيات، والمزيد من الشهداء على طريق طويل بدأ قبل أكثر من سبعين عاما ولا يزال الشعب الفلسطينى يسلكه مهما كانت الصعوبات والتحديات، «وما نيل المطالب بالتمنى».
وفى المونديال أيضا تلقى الإعلام الإسرائيلى صفعة من الجماهير العربية المقيمة والزائرة لقطر بعد رفضها التعامل مع مراسلى بعض القنوات التلفزيونية الإسرائيلية الذين يغطون الحدث الكروى، قبل أن يكتشف هؤلاء المراسلون «خدعة التطبيع» مع دول الخليج أمام الرفض الشعبى الواسع لوجودهم.
ربما لن يصعد فريق عربى إلى نهائى كأس العالم، وقد يكون ترتيب هذا المنتخب العربى أو ذاك غير مرض لجماهيره، لكن تبقى الحسنات قائمة، وهى تلك الروح القومية التى تقوم وتصحو كما العنقاء من تحت الرماد.