اليمين الزاحف إلى أوروبا.. عودة الفاشية! - مواقع عربية - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 5:04 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اليمين الزاحف إلى أوروبا.. عودة الفاشية!

نشر فى : الثلاثاء 28 نوفمبر 2023 - 6:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 28 نوفمبر 2023 - 6:35 م

فى ضوء وصول الفاشية اليمينية للسلطة فى عدة دول أوروبية نشر موقع 180 مقالا للكاتب سليمان مراد، تناول فيه أن هذه الفاشية الأوروبية لا تختلف كثيرا عن السابقة فى القرن الماضى.. فالجوهر واحد وهو تفوق الرجل الأبيض فى شتى المجالات. وهنا، ينتقد الكاتب تبنى ثقافة الغرب دون مراجعة أو نقد، حيث يرى كاتب المقال أن ما يحدث فى غزة الآن وموقف الغرب الداعم لإسرائيل وغض البصر عن جرائمها فرصة ذهيبة لإدراك أن الرجل الأبيض ليس معصوما من الخطأ دائما... نعرض من المقال ما يلى.
النجاح الذى حققه جيرت ويلدرز (Geert Wilders) وحزبه فى الانتخابات الهولندية الأخيرة يعيدنا بالذاكرة إلى زمن شيوع الفاشية فى أوروبا فى عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضى. فهل نحن أمام عودة إلى تلك التجربة، أم أن فاشية «الغرب» متأصلة فيه لكنها كانت تتخفى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وراء قناع الليبرالية.
الصعود الكبير فى شعبية اليمين الفاشى فى أوروبا تتوالى منذ سنوات، وها نحن الآن نراه يمسك بالسلطة فى إيطاليا والنمسا وفنلندا، وينتشر بقوة فى فرنسا وألمانيا وهولندا وبلدان كثيرة أخرى. أما فى بلدان شرق أوروبا، فحدث ولا حرج. الفرق الوحيد بين هذا اليمين الفاشى الجديد واليمين القديم هو فى انتقاء الأسماء وشكل الوجوه (خصوصا مع وجود الكثير من النساء فى قيادة الفاشية الجديدة، وهن لم يكن لهن أى دور ريادى فى الفاشية القديمة). فى الجوهر، لا نجد أى خلاف بين هذا وذاك: التعصب العرقى نفسه مصحوب بقناعة أن البيض هم أرقى الشعوب وأن حضارتهم هى أرفع ما توصل إليه البشر فى تاريخهم، وما عدا ذلك هو تخلف وقذارة وإرهاب يجب القضاء عليهم بأى شكل من الأشكال.
• • •
السؤال المطروح هو الآتى: هل المجتمع الغربى «الأبيض» حقا هو مجتمع متطور أم أن أكثره كان وما يزال مجتمعا جله من الجهلاء والرعاع، محدودى التفكير والأفق، وتسوقه نخب سياسية ومالية وعسكرية كما تريد وتشتهى، من دون أن ينفى ذلك وجود بعض المتنورين والليبراليين؟
نعم، «الغرب» كان وما يزال مجتمعات متفرقة، فيه المتنور والمحب للحرية والعدالة، وفيه الفاشى والنازى والعنصرى، وفيه أيضا من يعتقد أنه متنور لكنه فاشى فى ممارساته. وهناك أيضا الكثير من شعوب العالم التى فرض على شرائح كبيرة منها الهجرة إلى الغرب، لأسباب متعددة، وأصبحوا الآن جزءا لا يتجزأ من المجتمع الغربى. فيهم الداعى لحضارة الغرب والمدافع عن سياساته الاستعلائية والتدميرية والفاشية وصاحب قرار فيها، كما فى حالة رئيس الجبهة الوطنية الفاشية فى فرنسا جوردان بارديلا (Jordan Bardella) الذى هاجر أجداده من الجزائر وإيطاليا إلى فرنسا فى القرن المنصرم، أو وزيرة داخلية بريطانيا السابقة الفاشية سويلا برافيرمان (Suella Braverman) وهى من أصل هندى عاش أهلها فى إفريقيا قبل أن يهاجروا إلى بريطانيا فى ستينيات القرن المنصرم.
وهناك أيضا الناقد لسياسة الغرب والمدافع عن حقوق العالم، بقدر ما يسمح له بذلك طبعا، مثل رئيس بلدية لندن صادق خان (Sadiq Khan). لكن من النادر أن نجدهم فى مراكز القرار بسبب مواقفهم. وكما أن فى الغرب مجتمع أبيض ميسور ومتعلم، هناك أيضا مجتمع أبيض أكبر من ذلك يعانى التهميش، وينهش فيه الجهل والتطرف الدينى والعنصرى والرذائل على أنواعها. يقوم هذا المجتمع الميسور (بغض النظر عن بعض الأصوات القليلة والمهمشة) بالضحك على عقول هؤلاء الجهلاء وسوقهم كقطعان الماشية إلى سياسات الغرب الإجرامية.
حدث هذا فى الماضى ويحدث الآن. ألم يسق زعماء بريطانيا وهولندا وفرنسا وألمانيا و.. مجتمعاتهم لارتكاب ويلات كثيرة بوجه من وقف فى وجه أطماعهم فى بلدانهم أو خارجها (الحربان العالميتان الأولى والثانية كأكبر دليل على ذلك). وكما حدث فى ليلة 9 نوفمبر 1938 عندما هاجم الرعاع الألمان بيوت ومتاجر اليهود بإيعاز من النازيين وحطموها ونهبوها، تقوم ألمانيا اليوم (بعد 85 سنة من تلك الحادثة المعروفة بليلة الكريستال Kristallnacht) بارتكاب ليلة كريستال ضد المناصرين لقضية فلسطين. وكأن لا شىء تغير عند معظم الإلمان، وكل المزاعم أنهم اقتلعوا النازية منهم مجرد كذب بكذب.
• • •
لكن ما سبب انبهارنا بهذا الغرب وحضارته وبياض بشرته، بينما هو فى الواقع متوحش (طبعا، إلا فى بعض الحالات النادرة والمهمشة)؟ هل لنا أن نسأل عمالقة عصر النهضة ما الذى أبهر عيونهم بهذا الغرب فأبهرونا به؟ نعم، انبهرنا بحضارة الغرب البيضاء لدرجة أننا توقفنا عن تناول خبز القمح الكامل الذى يحوى غذاء كاملا لأن لونه بنى، وتحولنا إلى الخبز الأبيض الخالى من معظم المواد المغذية، وإلى السكر الأبيض وهو من السموم، وإلى كثير من الأشياء فقط لأن لونها أبيض.
نعم، علينا أن نسأل جهابذة عصر النهضة لأنهم أقنعونا (وكنا متقبلين لذلك من دون شك) أن نهضتنا تتطلب أن ننهل من حضارة أوروبا البيضاء وأفكارها التنويرية الليبرالية، وأن نثور على تاريخنا البالى وتراثنا المتخلف وعاداتنا البائسة. «عصر النهضة» كان عصر كارثتنا الفكرية الكبرى، وبقدر ما كان للاستعمار دور فى «إقناعنا» بكل أدواته القمعية والإغرائية حتى نلحق به ونقلده، كان لجهابذة عصر نهضتنا دور مهم أيضا يمكن أن نشبهه بالهدف الذى يسجله الفريق فى مرماه (بل يمكن أن نذهب بعيدا ونقول إننا سجلنا أهدافا كثيرة فى مرمانا نيابة عن الأوروبى الذى «أذهلنا» بحضارته وتطوره وعمانا عن وعى عمق طمعه بأرضنا وثرواتنا). هؤلاء الذين أبهرتهم حضارة الغرب خاضوا اليم إلى أوروبا لينهلوا منها أسس الترقى السليم والأفكار النيرة والعادات الجديدة والأزياء اللائقة و..، وعادوا إلى ربوعنا مبشرين بما عجز المبشرون الدينيون عن القيام به سعيا منهم لإنقاذنا من براثن الكفر والتخلف. لكن هل رأى هؤلاء أوروبا على حقيقتها؟ هل مشوا فى أزقة باريس ولندن وهل تعرفوا على أمراض الفقراء وبؤسهم؟ هل جلسوا وتناقشوا مع اللورد آرثر بالفور أو الماريشال فيليب بيتان أو الرئيس بنيتو موسولينى أو المستشار أدولف هتلر أو الجنرال فرانسيسكو فرانكو أو.. وأدركوا حجم الكره والعنصرية فيهم؟
هل أوروبا التى شاهدوها كانت صالونات نخب فاسدة تجتمع لتحتسى الكونياك وتدخن السيجار وتتحدث عن المبادئ والأخلاق والحقوق، بينما معظم شعبها قابع فى الجهل والفقر والنجاسة؟ هل وعوا أن هذه النخبة البيضاء تمارس سياسة ذبح واغتصاب ونهب وتشريد للعديد من شعوب العالم من أجل أن يكون لها نمط حياة فاخر ووقت لتمضيه فى الصالونات وأموال تدفعها لتشييد المعاهد والجامعات والمختبرات والساحات والمتاحف؟
هل علينا أن نحتفل بالشيخ رفاعة الطهطاوى على ما أتحفنا به فى تخليصه للإبريز فى تلخيص باريز؟ وهل علينا أن ننبهر بحرية المرأة الأوروبية التى بشرنا بها قاسم أمين وزعم أنها سبب نجاح أوروبا وترقيها؟ ومثل الطهطاوى وأمين، هناك المئات بل الآلاف من الذين كتبوا مبشرين بعصور التطور والترقى والنجاح إذا ما استعرنا حضارة أوروبا البيضاء.
لا أريد أن أعطى فكرة أننى ضد ما قام به عظماء عصر النهضة. فأنا والكثير من أساتذتى ورفاقى وأصدقائى، بقدر ما نحن «مشرقيين» بقدر ما نحن «غربيين»، ويمكن أن أقول أن لا أحد منا استطاع أن يقاوم كامل مشروع الحداثة بل فقط بعض جوانبه. نحن نتاج تجربة عصر النهضة وهذا الخليط من شرق وغرب، وهى مؤصلة فينا أكثر من تاريخنا الذى قبلها والذى لا نعرف عنه إلا القليل من المقتطفات.
علينا فى ضوء ما يحصل فى فلسطين أن نعيد قراءة كامل تلك التجربة وأن نعرف الأخطاء تفاديا للوقوع فى أخطاء قاتلة مثلها. مشروع الحداثة نقلنا من شعوب تحلم بالحرية والاستقلال والعلم والتطور والوفرة و..، إلى شعوب لا حول لها ولا قوة إلا إذا أقرينا بالعيش الذليل تحت نير الغرب (أكان فى استعماره المباشر أو غير المباشر أم فى هجرتنا إليه «الطوعية» أو الإجبارية). مشروع الحداثة فشل عندنا. مشروع الحداثة الغربية هو مشروع نخبوى بامتياز مبنى عضويا على الاستغلال والقهر، صدقه الجميع عن جهل فأصبحنا كمن يضع فى قدميه حذاء كبيرا جدا، لبسناه وأنبهرنا به، لكنه حال دون هرولتنا حتى نلحق بالركب الذى أمامنا.
الوقوف على أطلال الماضى لا ينفع إلا إذا أخذنا منه العبر. وما يحدث فى فلسطين اليوم يعطينا فرصة لا تأتى فى التاريخ إلا نادرا. فرصة ترينا بكل وضوح بشاعة الحضارة الغربية وأن معظم أهل الغرب ليسوا أكثر حضارة أو تمدنا أو ليبرالية أو حرية أو علما أو مبادئ أو.. من باقى شعوب العالم، وأنهم ليسوا بقدوة لأحد، وأن الفاشية جزء أساسى من وعيهم السياسى.

النص الأصلي

التعليقات