التعليم والبحث العلمى فى الدستور المصرى - معتز خورشيد - بوابة الشروق
السبت 5 أكتوبر 2024 3:00 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التعليم والبحث العلمى فى الدستور المصرى

نشر فى : السبت 28 ديسمبر 2013 - 8:30 ص | آخر تحديث : السبت 28 ديسمبر 2013 - 8:30 ص

يُعد القصور فى منظومة التعليم والبحث العلمى من أهم أسباب اختلال أسواق العمل وتراجع الأداء الاقتصادى المصرى، ومن ثم عرقلة جهود التنمية الوطنية فى العصر المعرفى بالألفية الثالثة. إذ يشهد التعليم ــ فى الوقت الراهن ــ اختلالًا بين معدلات إتاحته وحجم الطاقة الاستيعابية لمؤسساته، وتراجعا فى معدلات جودة خريجيه وقدرتهم على المنافسة، وتدنى فى معدلات الانفاق الحكومى على مؤسساته، وانخفاض ملحوظ فى عائده الاقتصادى وإنتاجية برامجه الأكاديمية. كما يعانى البحث العلمى فى مصر من اختلال فى هيكله التنظيمى، وتقادم فى بنيته التحتية، وإمكاناته المعملية، وموارده البشرية، وقصور فى نموذج تمويله، بالإضافة إلى تزايد الفجوة بين مخرجاته واحتياجات المؤسسات الإنتاجية والخدمية نتيجة لغياب الابتكار العلمى وتأثيره المجتمعى.

من ناحية أخرى، يشهد المناخ العالمى للتعليم والبحث العلمى ــ منذ حقبة التسعينيات بالقرن الماضى وبداية الألفية الثالثة ــ تغيرات غير مسبوقة فى بنيته الأساسية وهيكله التنظيمى بفعل ارتباطه بعصر الثورة المعرفية من ناحية، وبتأثيره المتعاظم فى جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتقدم الدول والمجتمعات، من ناحية أخرى.

•••

فى نفس الوقت، ساهمت مواثيق حقوق الإنسان ومبادرات الأمم المتحدة ومتطلبات العصر المعرفى الرامية إلى إتاحة التعليم، فى تضاعف أعداد الطلاب؛ بما اصطلح على تسميته «بالطفرة الكمية فى التعليم»، التى من المتوقع استمرارها خلال القرن الحالى. وبالتالى، فإن المشكلة التى ستواجه مؤسسات التعليم المصرية تكمن فى ضرورة صياغة نموذج تعليمى يحقق معايير متعددة مثل الجودة والمصداقية والإتاحة والاستدامة المالية، وتعزيز قدرات البحث والابتكار، فى ظل زيادة كبيرة فى أعداد الطلاب، وقصور فى الطاقة الاستيعابية وتراجع فى إمكانات التمويل، وفى إطار مناخ تعليمى وبحثى جديد يتسم بخصائص غير مسبوقة.

•••

وبناءً على ما سبق، فإن المواد الخاصة بمنظومة التعليم والبحث العلمى ــ فى النسخ الحديثة أو المُعدلة من الدستور ــ يتعين اتسامها بعدم التكرار والبُعد عن التقليدية من ناحية، وبسعيها إلى مواكبة خصائص عصر الثورة المعرفية من ناحية أخرى، فضلاً عن ضرورة تصديها بشكل واضح للاختلالات الهيكلية الراهنة بالمنظومة المصرية.

ونظرًا لمحدودية مواد التعليم والبحث العلمى بدستور(1971) من حيث تركيزها فقط على كفالة التعليم وإلزامه ومجانيته واستقلال مؤسساته وربطه بحاجات المجتمع والإنتاج، وبرغم الإضافات الهامة بدستور (2012) الرامية إلى تحسين جودة منظومة التعليم والبحث العلمى والنص على استقلال جامعاتها ومراكزها البحثية، وإعادة صياغة الدور التخطيطى والإشرافى للدولة فى هذا المجال والتأكيد على تخصيص نسبة كافية من الناتج القومى للإنفاق على أنشطتها العلمية، فقد جاء دستور (2013) أكثر تفصيلًا لدور التعليم والبحث العلمى فى عصر الثورة المعرفية بالألفية الثالثة. وعلى الرغم من الحوار الدائر بين فُقهاء الدستور حول مدى الحاجة إلى هذا التفصيل فى مواده، فإن الأمر ــ الذى يتعين التأكيد عليه ــ أن دستور (2013) قد نجح بشكل كبير فى طرح التعليم والبحث العلمى باعتباره قاطرة للتنمية والتقدم. ويمكن فى هذا الصدد رصد عدد من الخصائص المميزة فى دستور (2013) ومقارنتها بنصوص دستور (2012) و(1971) على النحو التالى:

• تؤكد المادة (19) بدستور (2013) أن أحد أهداف التعليم ومهامه الرئيسية تكمن فى «تأصيل المنهج العلمى فى التفكير وتنمية المواهب»، وهو توجه ــ يظهر للمرة الأولى بالدساتير المصرية ــ ليعكس احتياج أسواق العمل ومناخ العولمة الراهن إلى خريج قادر على البحث والتطوير من ناحية، ومُكتسب لعدد من المهارات الشخصية والاجتماعية، من ناحية أخرى. كما تؤكد نفس المادة على ضرورة «تشجيع الابتكار» بمعنى ربط البحث العلمى بالابتكار التكنولوجى من أجل إغلاق الفجوة بين البحث العلمى ومتطلبات الإنتاج السلعى والخدمى.

• فى المواد من (19) إلى (21) التى تتناول حق المواطن فى التعليم واستقلال الجامعات، يؤكد دستور (2013) على ضرورة توفير خدمات التعليم والبحث العلمى «وفقًا لمعايير الجودة العالمية». وبرغم التأكيد على عنصر الجودة فى التعليم بدستور (2012)، فقد ربط دستور (2013) معايير الجودة بالمستوى العالمى للأداء التعليمى. وهو توجه يراعى المناخ العالمى الجديد ــ المدعوم من منظمة اليونسكو ــ لربط معايير تقييم أداء التعليم الوطنية بمعايير الجودة العالمية.

• تُعد مخصصات الدولة لدعم التعليم والبحث العلمى من أهم إضافات دستورى (2013 ــ 2012) بالمقارنة بدستور (1971). بيد أن دستور (2013) حدد ــ للمرة الأولى ــ نسبا رقمية لنصيب الإنفاق على التعليم والبحث العلمى فى الناتج القومى الإجمالى، حيث خصص حد أدنى للنسبة المرغوبة يتصاعد تدريجيًا ليواكب المعدلات العالمية. كما تُفرق مواد الدستور ــ من ناحية أخرى ــ بين معدلات الإنفاق على التعليم بشكل عام (4%) والتعليم الجامعى بوجه خاص (2%)، كما خصصت نسبة منفصلة لنصيب البحث العلمى فى الناتج القومى تقدر بنحو (1%). وفى حين ترك دستور (2012) عملية التخصيص المالى من «الدولة» بمفهومها العام فقد خصص دستور (2013) التمويل المطلوب ـ تحديدًا ـ من الإنفاق الحكومى.

• تفيد الدراسات الاقتصادية بالألفية الثالثة أن أسواق العمل ستتطلب قوة عمل أكثر تعلمًا ومهارة مهنية. وقد انعكست هذه الرؤية فى دستور (2013) من خلال امتداد التعليم الإلزامى حتى نهاية المرحلة الثانوية أوما يعادلها. وبرغم الأعباء التى يضيفها هذا التوجه على ميزانية الدولة فإنه يمثل أحد السياسات الهامة الرامية إلى تنمية الموارد البشرية المصرية ودعم مواءمتها للعصر المعرفى.

• فى ظل تراجع أداء «التعليم الفنى» فى مصر وتدنى مساهمته التنموية فى القطاع الصناعى والخدمى على حد سواء، تصدى كل من دستور (2012) و(2013) ــ وللمرة الأولى ــ لضرورة الاهتمام به وتطويره باستمرار. إذ تشير المادة (58) بدستور (2012) إلى ضرورة أن «تُعنى الدولة بالتعليم الفنى، وتشجعه، وتشرف عليه، وتخصص له نسبة كافية من الناتج القومى». أما دستور (2013) فقد أفرد مادة تتضمن التعليم الفنى والتقنى والتدريب المهنى (مادة 20)، تتضمن ضرورة تشجيع الدولة له وتطويره، والتوسع فى أنواعه كافة. كما أضاف ــ مقارنةً بدستور (2012) ــ ضرورة «مواءمته لمعايير الجودة العالمية وبما يتناسب مع احتياجات سوق العمل».

• برغم إشارة كل الدساتير المصرية السابقة إلى ضرورة التصدى لقضية الأمية ــ بوصفها من أهم اختلالات التنمية البشرية ــ فما زالت معدلاتها تُعد مرتفعة بوجه عام حتى الآن. وقد أكد دستور (2013) هذا التوجه فى المادة (25) مع التفرقة بين «الأمية الهجائية والرقمية». وهو توجه يراعى التطور غير المسبوق فى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والحاجة إلى تقليل «الفجوة الرقمية» بين الدول المتقدمة والنامية حتى يمكن مواكبة العصر المعرفى بالألفية الثالثة. أى أن المادة (25) بدستور (2013) تتسم بالرؤية المستقبلية والمواءمة مع التطورات العالمية.

• يشير دستور (2013) ــ فى تناوله للبحث العلمى بالمادة (23) ــ إلى أن الدولة لا تكتفى بكفالة حريته واستقلاله وتشجيع مؤسساته فقط؛ بل يعتبره أيضًا «وسيلة لتحقيق السيادة الوطنية وبناء اقتصاد المعرفة». ومن هنا فإن الدستور المعدل لعام (2013) يضفى بُعدًا تنمويًا على دور البحث العلمى من حيث مساهمته فى تحول أو انتقال الدول إلى الاقتصاد المعرفى بالألفية الثالثة، ومن ثم تحقيق سيادة الوطن وازدهاره.

معتز خورشيد أستاذ بجامعة القاهرةوزير التعليم العالى والبحث العلمى الأسبق
التعليقات