قرأت تقريرا هذا الأسبوع عن عدم سماح وزارة التربية والتعليم السعودية بممارسة الرياضة فى مدارس البنات الحكومية أسوة بنظيراتها الأهلية. تجلت العبقرية وأبدع فكر المخططين فتوصلوا لحل وسط؛ وهو تدريس الرياضة البدنية كمادة نظرية فقط تُدَرّس كغيرها من المواد.
ذكرنى التقرير بجلسة مجلس الشورى العاصفة منتصف هذا العام لمناقشة إضافة برامج للياقة البدنية لمدارس البنات. نالت التوصية 92 صوتا مؤيدا وعارضها 18. وفى هذه الحالة إذا كان تقرير التربية والتعليم الذى أشرت إليه دقيقا، فهو يتعارض مع تصويت مجلس الشورى المفترض، مجازا، أنه يمثل رأى المجتمع.
هذه ليست أول مرة يتم فيها إهمال توصية من الشورى للسماح للبنات بممارسة الرياضة، فقد أصدر المجلس توصية سابقة تطالب بتنظيم إشراك المرأة فى الرياضة البدنية فى الأندية الرياضية فى المملكة وفق الضوابط الشرعية، وطبعا التوصية لم تُنَفَّذ.
•••
يحتج أحد المعارضين على رياضة البنات لأنها تتطلب ما يقارب 15 ــ 20 ألف معلمة تربية بدنية، وهذا ــ كما يقول ــ يعد رقما كبيرا جدا يمكن الاستفادة منه فى مجالات أخرى. معترض آخر يزعم أن التجهيزات المدرسية بحاجة إلى إعادة نظر ودراسة بشكل معمق.
وآخر اعترض على توصية اللياقة البدنية فى مدارس البنات لأن المجلس يجب ألا يصدر قرارا إلا وفق النظام الأساسى للحكم، وتتجلى قمة الإبداع عندما يعلل عضو آخر معارضته لإدخال الرياضة فى مدارس البنات بأن الوزارة معنية بالتربية والتعليم، وليست معنية بمعالجة الظواهر الصحية. تذكروا أن من واجبات عضو مجلس الشورى الالتزام التام بالحياد والموضوعية فى كل ما يمارسه من أعمال داخل المجلس.
•••
يستلّ عضو معارض آخر سيفه النشمى قائلا: هل البيئة التعليمية مناسبة؟، وكأن البيئة التحتية فى سيريلانكا وجزر القمر أفضل من البيئة التحتية فى السعودية. بصراحة إذا كنا سننتظر حتى توجد البيئة التعليمية لممارسة الرياضة فى مدارس البنات، فنحن بحاجة لعشرات السنين إلى أن يتحقق ذلك الهدف.
مادام الحديث عن البيئة التحتية، من غير العدل تركيز رئاسة رعاية الشباب على الشباب ونسيان البنات، فالرياضة حق للرجال والنساء على حد سواء، والتمييز ضد المرأة ليس مقبولا هنا أو فى أى حقوق أخرى على الإطلاق. أشارك عبدالواحد الحميد، عضو الهيئة الاستشارية لمجلس التعاون الخليجى، استغرابه «أننا فى السعودية الدولة الوحيدة التى تحرم الفتيات فرصة الحصول على اللياقة البدنية والصحية، وهذا التمييز ضد المرأة لم يعد مقبولا». يجب علينا عدم الانصياع للمتشددين ممن نصبوا أنفسهم أوصياء على المجتمع عبر قناعات فكرية أحادية.
•••
لا أرى مانعا مـن ممارسة الرياضة البدنية داخل مدارس البنات، فالرياضة ليست ترفا بل ضرورة صحية وتربوية ونفسية، وخاصة عندما تكون إمكانية الحركة محدودة جدا لظروف اجتماعية تتراكم. جميع التقارير الطبية تؤكد ــ دون استثناء ــ أن الرياضة تساعد على تنشيط الدورة الدموية والقلب، وتقلل نسبة الإصابة بالسرطان وتخفض الوزن، إلى جانب تعزيز الجوانب النفسية الإيجابية.
أما من يتعلل أن الرياضة لم تفد الشباب فى مدارسهم، وبالتالى فهى لن تكون ذات فائدة للبنات فهذا غير صحيح؛ الإحصائيات تدل على ارتفاع نسبة زيادة الوزن للرجال والنساء فى المملكة إلا أن المرأة تفوق الرجل بقرابة 66 بالمئة.
فى عام 1421هـ صدرت توصية من مجلس الشورى بإشراك المرأة فى الرياضة البدنية ولم يتم تنفيذها. الأسبوع الماضى ــ بعد التوصية بـ15 عاما ــ سعى بعض أعضاء المجلس المخلصين لإصدار توصية لدراسة إدخال مادة التربية البدنية فى مدارس البنات بمختلف المراحل الدراسية، بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية ويتناسب مع طبيعة المرأة.
يقول عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، صالح العصيمى أن العقبة التى تحول دون إدخال الرياضة لمدارس البنات شرعية، إضافة إلى المفاسد التربوية والأخلاقية والاقتصادية، مشددا على أن تدريس الرياضة للفتيات أمر لا يستقيم مع طبيعة المرأة وحشمتها ومنزلتها العظيمة فى الإسلام.