السياسة فى مصر تعرج من منحنى لآخر دون التقاط أنفاس لاستخلاص دروس مستفادة. ثلاث سنوات مرت على ثورة 25 يناير. هناك باحثون كُثر، معظمهم غربيون، اهتموا بقراءة التجربة المصرية، والخروج ببعض النتائج المهمة عن إشكاليات التحول الديمقراطى. أما الباحثون المصريون، فعلى العكس أكثر اهتماما بالتفاصيل، الروايات، الانشغال بالمعارك والمساجلات، دون الخروج بنتائج، وخلاصات، ودروس مستفادة.
قراءات كثيرة لباحثين غربيين خضت فيها، أسطر بعضا من الدروس المستفادة التى استخلصتها منها:
< عقب سقوط نظام مبارك، الخطأ لم يكن فى طبيعة خارطة الطريق، بقدر ما كان فى عدم تصميم نموذج للتحول الديمقراطى من الأساس. ترك المجلس العسكرى عملية بناء نظام جديد لقوى سياسية مضطربة، تمارس التشويش، تعدل من الخارطة الموضوعة، وتعيد تصميمها لخدمة مصالحها. الصواب فى التحول الديمقراطى فى وجود «خطة للانتقال للديمقراطية» لا تستخدمها القوى السياسية لخدمة مصالحها.
< خطأ نظام محمد مرسى أنه اعتمد على «الحلفاء الإسلاميين»، متجاهلا ومتوعدا معارضيه، فى حين أنه كان ينبغى أن يتجاوز السقف الإسلامى، ويشكل تحالفا أوسع مع تيارات سياسية أخرى مثلما فعل حزب النهضة التونسى.
< تنظيم الإخوان المسلمين قدم نفسه للعواصم الغربية بوصفه «القادر على كبح جماح التيارات الإسلامية الراديكالية»، فإذ به يلجأ إلى هذه التيارات أثناء وجوده فى السلطة، يستخدمها للدفاع عن نفسه، وتستخدمه لكسب شرعية، وفى النهاية أصبحت الدماء، والدمار، والتهديد والوعيد للمصريين المخالفين فى رقبة الإخوان المسلمين. الحكم الرشيد يكون بالتحالف مع من هم على يساره، وليس من يربضون على يمينه.
< الإخوان المسلمون رأوا فى الديمقراطية آليات (صندوق الانتخاب)، ولم يروا فيها حزمة من القيم (حرية الرأى والتعبير، حرية التنظيم، التنافس السلمى، حرية الاعتقاد، حقوق المرأة والمختلفين دينيا). الفوز فى انتخابات لا تجرى فى بيئة ديمقراطية يسمح للأغلبية الفائزة بتقويض الديمقراطية ذاتها باسم الأغلبية.
< انشغل الإخوان المسلمون بالتفكير فى الإجابة عن سؤال واحد كيف نفوز؟ (التمكين)، ولم ينشغلوا بالتفكير فى الإجابة عن السؤال الأهم: كيف نحكم؟ (الديمقراطية).
< يصعب أن يأتى فصيل سياسى فى أعقاب انتفاضة شعبية (25 يناير) وفى ذهنه الحفاظ على دعائم النظام الذى ثار عليه الناس.
< لا توجد أغلبية سياسية «ميكانيكية» أو «فطرية» أو «سرمدية» لا تنتهى، البشر أمزجة متقلبة، لم يدرك الإخوان المسلمون ذلك، وظلوا على اعتقادهم بأن الغالبية إلى جوارهم مهما حدث.
< الناس تنشغل بالحديث عن مواد الهوية، أو العلاقة بين الدين والدولة حين تغيب السياسة، فى حين أن الاهتمام بالسياسات العامة خاصة فى المجال الاجتماعى (مكافحة الفقر مثلا)، تخفف من الاستقطاب، وتهدئ وتيرة الصراع على القيم فى المجتمع.
< الديمقراطية ليست صندوق انتخاب، ولكن عملية تحول «ذات معنى»، تُشعر المواطن بالحرية، والتغيير للأفضل، والإدارة الكفء لحياته. إذا لم يحدث ذلك، فالديمقراطية لا معنى لها