نشر موقع 180 مقالا للكاتب سعد محيو، تحدث فيه عن سيناريو افتراضى لإنقاذ لبنان لكنه الوحيد القادر على وقف نزيفها، تمثل فى تشكيل حكومة عسكرية ــ باعتبار الجيش الجهة الوحيدة البعيدة عن الفساد ــ يتم فى إطارها تبادل الأدوار بين الجيش وحزب الله بغرض وقف انهيار الدولة... نعرض منه ما يلى:
هل لا زال بالإمكان إنقاذ لبنان، أم سبق سيف العزل وسنكون من الآن فصاعدا شهودا على تحقق نبوءة وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان عن زوال لبنان عن الخريطة؟
الحل لا زال ممكنا، ومعه أمل بالخلاص. لكن هذا يتطلب عملية جراحية فى النظام السياسى الحالى. عملية استئصالية إذا جاز التعبير، بعد أن أثبتت النخبة السياسية الطائفية أنها غير قادرة حتى على ترميم أو إنعاش نظامها نفسه. وهذه ليس مسألة تتعلق بالغباء أو ضيق الأفق لدى أرباب هذه النخبة، بل لسبب موضوعى للغاية: إذ كيف يمكن لمجرم مُدان أن يُحاكم نفسه؟ كيف لفاسد أن يُصلح الفساد؟ إذا ما اتفقنا على أن الحل من داخل الطبقة السياسية مستعصٍ كليا، بدليل فشل كل الجهود الفرنسية والدولية لحملها على إنقاذ نفسها من نفسها، سنجدنا أمام حل وحيد لتجنب تسونامى الفوضى والانهيار الكبير: حكومة عسكرية بصلاحيات استثنائية، ستكون هى وحدها القادرة على تحقيق الإصلاحات، بدءا بقطاع الكهرباء، الذى راكم وحده عبر الفساد 40% من ديون البلاد والذى يشكل بوابة العبور الكبرى إلى أى إصلاحات حقيقية؛ إضافة إلى إطلاق يد القضاء المستقل لفرض المساءلة والمحاسبة وسيادة القانون على الجميع، وإعادة الأموال الهائلة المنهوبة المحولة إلى دول الغرب والقادرة بمفردها على وقف الانهيار.
•••
الحكومة العسكرية لن تكون حكومة العسكريين ولا حكومة الانقلاب على الديموقراطية، بل التشكيلة السياسية لمؤسسة أمنية وطنية كانت بمنأى نسبيا عن نظام الفساد. وهى، بفعل تركيبتها الخاصة، طوق النجاة الوحيد الآن لمؤسسات للدولة اللبنانية من كارثة التفكك، والمُعبر الوحيد تقريبا عن تطلعات وأمانى قوى وأطراف المجتمع المدنى التى فشلت خلال انتفاضة تشرين فى بلورة بديل قيادى قابل للحياة.
نعلم أن ثمة جهودا دولية تُبذل الآن لمحاولة تسهيل ولادة هذا البديل المدنى. لكن سرعة وتائر الانهيار الاقتصادى والاجتماعى لن تترك كبير مجال لمثل هذه الولادة. هذا علاوة على أن الرهان على الانتخابات النيابية المقبلة فى ظل قانون انتخابى تصوغه الطبقة السياسية على قدها، قد يحقق بعض الاختراقات لكنه لن يمنع هذه الأخيرة من إعادة إنتاج نفسها كما كانت تفعل دوما.
هل هذا المقترح مجرد أضغاث أحلام، ربما تمليها ذاكرة التجربة الشهابية الرائدة التى لم تنقذ آنذاك البلاد وحسب، بل محضتها أيضا كل مقومات الدولة الحديثة والمتوازنة، من الجامعة اللبنانية ووزارة التصميم ومجلس الخدمة المدنية والمصرف المركزى، إلى توفير المزايا الاجتماعية ونشر المدارس والكهرباء فى كل المناطق؟ ربما. لم لا؟
لكن، وكما أن الإنقاذ الوطنى والمؤسساتى الشهابى تطلب وجود مظلة إقليمية (النظام الناصرى) ودولية (ديغول وأيزنهاور) مكنته من تحقيق إصلاحاته، كذلك تحتاج المؤسسة العسكرية الآن إلى مثل هذا الغطاء. فهل هذا متوافر؟
لنتصارح قليلا هنا: الجيش اللبنانى يُعتبر رصيدا أمريكيا ليس فقط عدة وعتادا، وتسليحا وتدريبا، بل أيضا كقوة سياسية تحترمها واشنطن وتراهن عليها. وقبل أسبوعين تقريبا، دعا الكاتب الأمريكى ديفيد أجناتيوس المقرب من البنتاجون إدارة جو بايدن إلى تطبيق سياسة جديدة فى الشرق الأوسط، واقترح أن يكون مدخل ذلك هو «الاستثمار بكثافة فى الجيش اللبنانى».
لنتصارح أكثر: حزب الله يعتبر رصيدا إيرانيا وعلى كل الصعد أيضا. وهذا ما يجعله على طرفى نقيض مع مواقع الجيش اللبنانى فى سياق شد الحبال بين طهران وواشنطن، الأمر الذى يبدو أنه ينسف فكرة الحكومة العسكرية من أساسها.
لكن هذا قد لا يكون استنتاجا دقيقا.
فحين تُجدد إيران والولايات المتحدة عقد الاتفاق النووى خلال الأسابيع القليلة المقبلة سيكون الباب مفتوحا على مصراعيه أمام فرنسا وأوروبا لمطالبة بايدن برفع الفيتو الأمريكى عن مشاركة الحزب فى الحل الداخلى اللبنانى. ومن خلال هذه الثغرة التى قد يفتحها ذلك، لن يكون صعبا تخيل قيام حزب الله بتوفير دعم وإن ضمنيا لحكومة عسكرية لها «برنامج مهمات» إصلاحية داخلية، طالما أن سلاحه لن يكون مطروحا على بساط البحث أو التداول فى هذه المرحلة.
•••
فى إطلالته الأخيرة هذه الأسبوع، تحدث السيد حسن نصرالله بطلاقة، وربما للمرة الأولى، عن عدم ممانعته تسليح الجيش بكل أنواع العتاد، وعن الضرورة الحيوية لدور الجيش فى حفظ السلام الأهلى. هذا فى حين كان وفد من الحزب يزور مقر المؤسسة العسكرية للغرض نفسه.
بالطبع، هذا لا يعنى أن الحزب قد يؤيد فكرة الحكومة العسكرية. ومقاربته الأخيرة للجيش ربما تتعلق فقط بالأزمة المعيشية الخانقة التى يمر بها الجنود والضباط فى هذه المرحلة. وهذا صحيح. لكن الصحيح أيضا أن الفرص موجودة أمام اتفاق أو وفاق إيرانى ــ أمريكى ما، يتبادل بموجبه الجيش والحزب الأدوار فى سياق وحيد: وقف الانهيار وإطلاق ورشة الإصلاح الداخلى. المصلحة المشتركة لكلا الطرفين والنفوذين قد تُملى هذا الوفاق وهى لن تشكل إحراجا للولايات المتحدة وحلفائها فى المنطقة، طالما أن حزب الله لن يبرز فى الصورة التذكارية لأعضاء الحكومة العسكرية.
مرة أخرى: قد يبدو هذا السيناريو افتراضيا للغاية. وهو كذلك. لكنه فى الوقت نفسه السيناريو الوحيد ــ فى الواقع ــ القادر على وقف نحر لبنان ومنع محوه عن خريطة المنطقة، كما لم يتعب لودريان من التحذير.
ثم: تخيلوا، مجرد تخيل، كيف قد تستقبل جموع الشعب اللبنانى بكل مندرجات مجتمعه المدنى هذه الخطوة الإنقاذية. نحن هنا فى هذه النقطة بالذات، لن نتردد فى القول أن الدعم الشعبى لها سيكون بمثابة تسونامى جماهيرى قد يكون أعتى بكثير من تسونامى الانهيار والدمار.
لكن هذا التسونامى الإيجابى يجب أن ينطلق اليوم من قلب المجتمع المدنى ومن كل القوى والأطراف السياسية والأيديولوجية والاقتصادية التى ترفض ذبول وزوال شجرة الأرز عن جبين خريطة لبنان وعلمه.
بكلمات أوضح: يجب أن تكون الحكومة العسكرية مطلبا شعبيا أساسيا، هنا والآن.
النص الأصلى: