شعبية الرئيس، أى رئيس، تزداد وتتناقص بحسب قدرته على تحقيق برنامجه السياسى، وبالأساس نجاحه فى رفع مستوى المعيشة، وتحقيق الأمن والأمان لمواطنيه، ومع ذلك فإن الكثير من السياسيين والإعلاميين المحسوبين على النظام فى مصر، يضربون عرض الحائط بهذه القاعدة البديهية المستقرة فى أى بلد ديمقراطى أو حتى يدعى أنه ديمقراطى، ليؤكدوا أننا لم نصل بعد لقاع الانحطاط السياسى، وأن مؤسسة النفاق هى الوحيدة التى لا تزال تجارتها رائجة، رغم الكساد الذى يضرب كل جوانب حياتنا بلا استثناء!
حينما تراجعت شعبية الرئيس عبدالفتاح السيسى بنسبة 9 % طبقا لآخر استطلاع أجرته مؤسسة «بصيرة»، وبنسبة 80 % على تويتر المذيع أحمد موسى، لم يسأل هؤلاء المنافقون أنفسهم مجرد سؤال عابر حول سبب هذا التراجع، لكنهم اندفعوا، بدون أى كياسة أو ذكاء ليطالبوا بالتمديد للرئيس لفترة رئاسية ثانية، دون أن يراعوا التوقيت غير المناسب لطلباتهم هذه، ولكنهم انتهزوا الفرصة ليقدموا للرئيس، وقبله للأجهزة ، فروض الطاعة العمياء والولاء الزائف!
تجاهل هؤلاء المنافقون أسباب هذا التراجع التى كان سببها ببساطة، عدم قدرة الرئيس على تنفيذ وعوده الانتخابية بحل الأزمة الاقتصادية، ومسئوليته السياسية عن ارتفاع الأسعار، وانهيار سعر الجنيه، ووصول عجز الموازنة لأرقام فلكية، وزيادة معدلات الفقر والتضخم والبطالة، وإعلان حكومته أن المزيد من القرارات الصعبة بانتظار المصريين، والتى بدأت بفرض المزيد من الضرائب المجحفة، وتحذيرات الكثير من الاقتصاديين من أن شبح الإفلاس والمجاعة أصبح على الأبواب، بالإضافة إلى التضييق المستمر فى مجال الحريات العامة وحقوق الانسان فى انتهاك صارخ للدستور، ولشعارات ثورة 25 يناير فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.
صحيح أن الرئيس لا يزال يحتفظ بنسبة معتبرة من المؤيدين بين صفوف الشعب المصرى، لكن اللافت للنظر أن المعارضين لسياساته فى ازدياد وبمعدلات سريعة، ومع ذلك فإن كتيبة المنافقين بدأت فى ترديد نفس الأسطوانة المشروخة التى كانوا يرددونها أيام مبارك ومن قبله السادات، بأن الرئيس يعمل بأقصى جهده لكن الوزراء لا يعملون بنفس الكفاءة، وبالتالى لا تظهر نتائج عمل الرئيس، وكأن هناك قوى خفية تفرض على الرئيس تعيين هؤلاء الوزراء الفشلة، دون أن ندرى سبب عجزه عن تغييرهم ــ ماداموا هم أس البلاء ــ ودون أن نعرف قبل ذلك لماذا اختارهم بالأساس؟! ودون أن نفهم أخيرا لماذا لا يلومه هؤلاء المنافقون على اختياره غير الموفق؟!
قواعد اللعبة فى عرف هؤلاء المنافقين تفرض عليهم لعب دور الكهنة فى معبد الفرعون، يبيعون للناس الكذب والتدليس ليفوزوا هم بالغنائم، يخوضون المعارك الزائفة دفاعا عن الرئيس، وبمجرد سقوطه يصوبون خناجرهم المسمومة إلى جثته وهم يهتفون بحياة الرئيس الجديد، فعلوها مع عبدالناصر ومع السادت ومع مبارك ومع مرسى، ويريدون أن يفعلوها مع السيسى!
حزب المنافقين هو أقوى الأحزاب السياسية على الإطلاق، أعضاؤه على كل شكل ولون، ينتشرون كالجراد فى كل أنحاء البلاد، ربما يعتقدون أنهم استعادوا عصرهم الذهبى مرة أخرى، وأن أيام العز التى عاشوها فى مبارك عادت من جديد، لكنهم لا يدركون أن شعب مبارك الخنوع الذليل ذهب إلى غير رجعة، وأن هناك جيلا جديدا نجح فى هدم المعبد السياسى القديم بكل معتقداته البالية، وأن هدوء المصريين الآن ينذر بعاصفة لا أحد يعلم مداها ونتائجها، وأن هناك أفقا جديدا يسعى إليه جميع المصريين يستهدف بناء مؤسسات ديمقراطية حديثة، ورئيس يمكن نقده بدون خوف أو قلق، لا زعيم فوق المساءلة والمحاسبة يجرنا وراءه كالقطيع!
خبرة العامين الماضيين من حكم السيسى، تتطلب منه ــ إذا أراد الترشح لفترة ثانية وأخيرة ــ أن يقدم برنامجا انتخابيا واضحا ومحددا، يجبر هؤلاء المنافقين على الدخول لجحورهم، ويعطى المصريين حقهم فى اختيار البرنامج الأصلح بين أكثر من مرشح!