إما ديمقراطية حقيقية أو ما هو دون ذلك - سارة خورشيد - بوابة الشروق
الجمعة 18 أبريل 2025 8:52 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

إما ديمقراطية حقيقية أو ما هو دون ذلك

نشر فى : الإثنين 30 يناير 2012 - 9:15 ص | آخر تحديث : الإثنين 30 يناير 2012 - 9:15 ص

إذا استرجعنا يوم الثالث من أغسطس 2011، سنجد أنه كان يوما تاريخيا غير مسبوق، لن ينساه من شهده من المصريين ما حيوا. يوم رأوا رئيسهم المخلوع داخل قفص الاتهام لأول مرة، لتبدأ ما أطلق عليها «محاكمة القرن». فى ذلك اليوم، عندما أعرب البعض على استحياء عن تحفظاتهم واعتراضاتهم على أمور تتعلق بجدوى ونزاهة المحاكمة، انتقدهم الكثيرون قائلين إن أولئك المعترضون لا يريدون لشعب مصر أن يفرح بالنصر الذى بدأ يناله، بل يريدون افتعال المشاكل لإشعال الغضب وعرقلة الاستقرار والتقدم.

 

لكن مع مرور الشهور وتعاقب جلسات المحاكمة، بدأ عدد أكبر من المصريين يدركون خطورة أبعاد محورية كانوا قد تغاضوا عنها فى خضم اللحظات المهيبة التى عاشوها فى بداية المحاكمة: مبارك يحاكم أمام محكمة عادية وليست محكمة استثنائية كما هو الحال فى الثورات أو عسكرية رغم كونه عسكريا؛ تقارير النيابة تم إعدادها تحت إشراف نائب عام عينه مبارك وصمت على الجرائم التى كانت تتم قبل الثورة؛ القوانين التى سيحكم بها القضاء وضعها نواب الحزب الوطنى فى مجلس شعب زورت انتخاباته دورة تلو الأخرى ــ ناهيك عن التجاوزات الشكلية كعدم وضع الكلبشات فى أيادى المتهمين وتحيز القاضى الظاهر ضد محامى أهالى الشهداء.

 

●●●

 

من جديد، عشنا مشهدا تاريخيا آخر يوم 23 يناير مع انعقاد أولى جلسات مجلس الشعب بعد الثورة، بلا فتحى سرور ولا أحمد عز ولا غيرهما من رموز الحزب الوطنى الذين كنا فقدنا الأمل فى الخلاص منهم. ولأول مرة منذ عقود لم يستطع أحد أن يتوقع نتيجة الانتخابات مسبقا، وجاءت نزيهة إلى حد بعيد، رغم بعض التجاوزات التى قد لا تؤثر على النتيجة الإجمالية بشكل جذرى.

 

لكن رغم كون ذلك إنجازا للثورة وخطوة على طريق الديمقراطية التى تحدث عنها رئيس المجلس د.محمد سعد الكتاتنى كثيرا فى أولى كلماته بعد إعلان فوزه بالرئاسة، ورغم أنه يحق لنا أن نفرح بامتلاء قاعة المجلس بالنواب المنتخبين من الشعب فعلا، إلا أنه يجب ألا نغفل أمورا هامة تتعلق بمستقبل الديمقراطية فى مصر فى ضوء تلك المؤسسة التى بدأ تكوينها وباقى المؤسسات المدنية المنشودة، وفى إطار «خارطة الطريق» التى ينظر إليها كمرجعية أساسية منذ مارس 2011.

 

من أهم هذه الأمور ما يتعلق بحزب الحرية والعدالة الذى يشغل 47% من كراسى مجلس الشعب الجديد.

 

أثناء متابعة المصريين لأول وثانى جلسات المجلس، نشر موقع بوابة الأهرام تصريحات لنائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين المهندس خيرت الشاطر يتحدث فيها عن رؤية الحزب والجماعة (التى انبثق عنها الحزب) لأمور مثل تشكيل حكومة انتقالية، وانتخابات الرئاسة، وسياسة مصر الخارجية بعد الثورة. وقبل ذلك بعشرة أيام نشر الموقع الرسمى للجماعة إخوان أون لاين خبرا عن اجتماع لمجلس شورى الجماعة تقرر فيه «تفويض مكتب الإرشاد بالتشاور مع حزب الحرية والعدالة فى اتخاذ ما يراه مناسبا بخصوص المرحل الانتقالية بالنسبة لمجلس الشعب والحكومة».

 

إن حديث الشاطر وبيان الجماعة يثيران مخاوف عميقة فيما يتعلق بالديمقراطية وأحد أهم مبادئها ــ سيادة القانون.

 

إن كان من الطبيعى، كما تقتضى قواعد الديمقراطية، أن يتحدث قيادات حزب الحرية والعدالة عن سياسات ونوايا الحزب تجاه مستقبل البلاد والدستور والسلطات، يتحدثون باسم الشعب بعد أن انتخبهم 10 ملايين مواطن ليعطوهم الحق فى تمثيل الأغلبية والأقلية معا، فليس من الديمقراطية فى شىء أن يتحدث الشاطر أو غيره من قيادات الإخوان كجماعة عن سياسات الحزب، فالشعب انتخب الحزب، لكنه حتما لم ينتخب المرشد أو نائبه الشاطر أو أيا من أعضاء مكتب الإرشاد، وهم لا يتمتعون بصفة قانونية تعطيهم الحق فى المشاركة فى اتخاذ قرارات مصيرية تخص الدولة وشعبها.

 

إن استمرار تحكم الجماعة فى الحزب ــ ولو جزئيا على أحسن تقدير ــ يتعارض مع الديمقراطية وسيادة القانون، خاصة أنه ليس للجماعة سند قانونى (وهو أمر لم يعد مبررا أو مفهوما بعد مرور عام على الثورة).

 

●●●

 

تقتضى سيادة القانون ألا يفرق القانون بين شخص وآخر أو كيان وآخر. فإذا كانت الجماعة مثلا قد باركت اقتحام السلطات المصرية لعدة منظمات حقوقية فى ديسمبر بدعوى أهمية الشفافية وتطبيق القانون ومنع التدخل الأجنبى، حسب بيان الجماعة الرسمى المنشور على موقع إخوان أون لاين، فالأولى بها أن تحرص على تطبيق القانون بشكل عادل وليس انتقائيا، كأن تطالب الجماعة أيضا بالكشف عن تفاصيل التمويل الأجنبى للجيش المصرى، وأن تبادر بتسجيل وضعها بشكل قانونى والكشف عن تمويلها وميزانيتها بشفافية (حتى ولو كان ذلك التمويل داخلى وليس أجنبيا وليس مشبوها)، وأن تعلن انفصالها التام عن حزب الحرية والعدالة، حتى لا يفقد القانون هيبته ويفقد الحزب مصداقيته، وهو الذى يروج للديمقراطية ويعتبر انعقاد مجلس الشعب خطوة هامة لترسيخها فى مصر.

 

مما يعكر صفو الاحتفاء بأن مصر صار لها مجلس شعب منتخب أن الحزب الذى يشغل النسبة الأعلى بالمجلس يبدو أحيانا وكأن سعيه لتعميق الديمقراطية سعيا انتقائيا، بأن يظهر تأييدا جادا لها حين تصب فى أولوياته وأولويات الجماعة، ويتجاهلها كقضية فى الحالات التى لا تتماشى مع سياساته وقراراته. ظهرت تلك الإشكالية أكثر من مرة منذ مارس 2011.

 

فمثلا دافع الإخوان بضراوة عن الشرعية الديمقراطية لنتيجة استفتاء التعديلات الدستورية بمارس وعن الإعلان الدستورى الذى أصدره المجلس العسكرى فيما بعد (رغم اعتراض قوى سياسية أخرى على إصدار ذلك الإعلان دون أن يستفتى عليه الشعب)، ونزل الإخوان للتظاهر ضد وثيقة السلمى رافضين تقييد سلطة البرلمان فيما يخص كتابة الدستور، لكنهم تغاضوا عن رغبة المجلس العسكرى فى تأجيل انتخابات الرئاسة لما بعد الانتهاء من كتابة الدستور بشكل يخالف نتيجة الاستفتاء وخارطة الطريق التى يدافعون عنها فى مواطن أخرى.

 

ففى حين تطالب القوى الثورية بإجراء انتخابات الرئاسة وتسليم المجلس العسكرى للسلطة قبل كتابة الدستور (والمعروف أن سيادة العسكريين تعد من أخطر الأمور على سلامة الديمقراطية)، لم يطالب قيادات الحزب فى هذا الصدد إلا بإجراء الانتخابات الرئاسية «فى أقرب وقت» أو بعد انتخابات مجلس الشورى، أو طالبوا فقط «بإجراء انتخابات الرئاسة» بدون الإشارة لتوقيت محدد، كما نصت المطالب التى كتب د. محمد البلتاجى على صفحته بالفيسبوك أنه سينزل التحرير يوم 25 يناير 2012 من أجلها.

 

●●●

 

مثل هذه المواقف تثير المخاوف من أن يطبق حزب الحرية والعدالة معايير مزدوجة للديمقراطية، وهو ما قد يفرغ مصطلح الديمقراطية الذى يكرره قيادات الحزب من مضمونه العميق. ولنتذكر أن مبارك ورجال حزبه الوطنى كانوا يتحدثون كثيرا عن الديمقراطية لكنهم لم يطبقوا منها إلا الديكور الخارجى عديم الفائدة.

 

إن كان الحرية والعدالة يسعى لتطبيق الديمقراطية حقا كما أعلن فى برنامجه الانتخابى، فيجب أن يشتمل ذلك التطبيق على جميع مبادئ تلك المنظومة التى لا يمكن اختزالها فى الانتخابات ومجلس الشعب فقط، وأن يكون النضال من أجل «تعميق الممارسة الديمقراطية» ــ كما قال الكتاتنى فى أولى جلسات مجلس الشعب ــ نضالا جادا فى كل الأحوال وليس نضالا انتقائيا سطحيا.

 

التعليقات