يضرب غلاء الأسعار بشدة أصحاب الرواتب الثابتة، وهم فى مجملهم من أبناء الطبقة الوسطى، حيث لا يزيد دخلهم عادة بنفس معدلات ارتفاع الأسعار. وإذا كانت الأسعار قد ارتفعت بمعدلات غير مسبوقة فى الأيام القليلة الماضية، فإنها تواصل ارتفاعاتها طيلة العامين الأخيرين أيضا بصورة مضطردة.
فى زمن غلاء الأسعار، هناك عدد من المشاهد الاجتماعية التى توضح إلى أى حد تتهاوى الطبقة الوسطى، بحيث يصدق معها العنوان الذى تصدر كتاب الاقتصادى المرموق رمزى زكى «وداعا الطبقة الوسطى».
وهذه بعض من الملاحظات الاجتماعية فى الأندية العامة، تميل أسر كثيرة إلى حمل طعامها معها، ولا تشترى من المحلات المنتشرة إلا فى أضيق الأحوال، رغم أن أسعارها عادة أقل من مثيلاتها خارج أسوار الأندية. نفس الملاحظة وجدتها من المشاهدات فى معرض القاهرة الدولى للكتاب، حيث تجلس الأسر لتناول طعامها البيتى الذى تحمله معها.
تشير تقارير عديدة إلى انتعاش سوق المستعمل فى الأثاث والملابس، وكلاهما من النوعيات التى يسهل التعامل معها، حيث يمكن تجديد الأثاث وإعادة طلائه بتكاليف أقل بكثير من شراء أثاث جديد فى ضوء الارتفاعات المتتالية فى أسعار الاخشاب، نفس الأمر ينطبق على الملابس التى تفترش الآن الأرصفة فى أماكنها التقليدية المعروفة فى وسط القاهرة، وأيضا فى المناطق التى تسكنها الطبقات الوسطى.
التحول من محلات «الوجبات الجاهزة» الشهيرة إلى عربات تقديم الوجبات الجاهزة فى الشارع، والتى تفترش الأرصفة بالكراسى والطاولات، حيث تجد أبناء الطبقة الوسطى يتناولون الوجبات السريعة عليها التى باتت أسعارها أرخص من أسعار الوجبات المقدمة فى المحلات المعروفة.
كثافة جلوس أسر بأكملها على المقاهى أو ما يعرف بالكوفى شوب، ورغم أن أسعار المشروبات والشيشة وخلافه فى هذه الأماكن صارت مرتفعة إلا أنها بالمقارنة أقل من أسعار الكافتيريات التى يمكن أن تجلس عليها الأسر للترويح عن أنفسهم أو مشاهدة مباريات كرة القدم. يرافق ذلك تحويل العديد من الفيلات والبيوت القديمة التى لم يعد من الممكن هدمها إلى مقاهٍ، والتى تجدها مكتظة دائما، لأنها توفر مساحات من الخصوصية لمرتاديها خلاف المقاهى التى تفترش الأرصفة.
الاعتماد المتزايد على المواصلات العامة، خاصة فى ضوء تضاؤل إمكانية اقتناء سيارة من جانب أبناء الطبقة الوسطى، حتى لو كانت مستعملة، نظرا للارتفاعات المتتالية، غير المنطقية فى سوق السيارات، وكذلك تزايد أسعار الوقود وقطع الغيار والصيانة.
لجوء البرجوازية الصغيرة إلى اختيار العمل باليومية أو بالأجر بدلا من فكرة امتلاك المشروع. مثال على ذلك الميكانيكى والنجار والكهربائى، وغيرهم الذين يطلبون الآن من العملاء شراء المستلزمات وقطع الغيار بأنفسهم، ويكتفون هم بالأجر أو اليومية حسب الأحوال، وذلك اتقاء للخلافات مع العملاء الذين قد لا يستوعبون الارتفاع المتزايد فى أسعار الخامات.
انغماس أبناء الطبقة الوسطى العليا ــ تحديدا ــ فى الديون البنكية، من خلال الشراء ببطاقات الائتمان خاصة التى توفر إمكانية شراء السلع المعمرة وبعض المستلزمات بالتقسيط على عدة شهور من بينها خدمات لم تكن تعرف نظام التقسيط قبل ذلك مثل الصيانة الدورية للسيارات والأدوية، الأمر الذى يؤدى إلى انكماش دخول الأفراد رغم تراجع قيمتها. وفى نفس السياق هناك فى الأحياء المتوسطة والفقيرة الآن عودة بكثافة إلى نظام الشراء على «النوتة» عند البقال والصيدلى وخلافه لشراء الاحتياجات.
هذه بعض ملاحظات اجتماعية سوف تزداد، ويضاف إليها ملاحظات أخرى، مما يجعل الطفرات المتزايدة فى الأسعار تغير من نمط، وسلوكيات، وأساليب تفكير الناس، والعادات التى درجوا عليها فى العقود الماضية إلى أشكال جديدة، بالتأكيد أكثر تقتيرا، وأقل سعادة.