«اللى بيضرب فى الصحفيين بكره يشرف فى الزنازين.. اكتب على حيطة الزنزانة ضرب الصحفى عار وخيانة»، ردد الصحفيون تلك الهتافات، وهم فى مسيرة إلى مكتب النائب العام يوم 17 مارس عام 2013، لتقديم بلاغات ضد مرشد الإخوان محمد بديع ونائبه خيرت الشاطر وباقى أعضاء مكتب الإرشاد بوصفهم مسئولين عن الاعتداء على الصحفيين أمام مقر الجماعة بالمقطم.
المسيرة التى انطلقت من سلالم النقابة شارك فيها ضياء رشوان نقيب الصحفيين حينها وسلفه يحيى قلاش وعدد من رؤساء التحرير وشيوخ ورموز المهنة، قبل تلك الواقعة بشهور قليلة احتجب عدد من الصحف الخاصة والحزبية، احتجاجا على الإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس المعزول محمد مرسى.
دخل «المعزول» وجماعته فى معركة مع أصحاب القلم، حاولوا اخضاعهم وحصارهم أو شراءهم، لكنهم فشلوا، وانتهت المعركة بسقوط حكم الإخوان.
لم تكن المعركة مع الإخوان هى الوحيدة التى حسمها أبناء صاحبة الجلالة، فبالرغم من إحكام «المخلوع» مبارك قبضته على مؤسسات الدولة، وشرائه لذمم عدد من أبناء المهنة، إلا أنه فشل فى تطويع جموع الصحفيين، وتمكنت الجمعية العمومية من اسقاط القانون 93 لسنة 1995، الذى وضع قيودا غير مسبوقة على الحريات الصحفية.
وظلت نقابة الحريات شوكة فى حلق مبارك ونظامه، تحولت سلالمها إلى ملاذ آمن لكل صاحب حق، واحتضنت قاعاتها معظم حركات الاحتجاج التى ناهضت مشروع التوريث، وانتهى الأمر بسقوط المشروع والنظام كله فى 11 فبراير 2001.
قبل ذلك بعقود حاول السادات التخلص من صداع «حزب الحديقة»، وموقفهم المناهض لـ«كامب ديفيد»، فقرر تحويل النقابة إلى نادٍ، فانتفضت الجمعية العمومية، وقاد النقيب الراحل كامل زهيرى المعركة، وتراجع «الرئيس المؤمن» فى النهاية عن قراره، وذهبت النقابة إلى ما هو أبعد وقررت «حظر جميع أشكال التطبيع مع العدو الصهيونى».
يوم الاثنين الماضى حاصرت قوات الأمن النقابة ومُنع أعضاء الجمعية العمومية من الدخول إلى مقر نقابتهم، وهو ما لم يقدم أى نظام على فعله منذ تأسيس النقابة قبل 75 عاما، لم تكتف قوات الأمن بذلك بل ألقت القبض على 33 صحفيا كانوا يمارسون عملهم فى تغطية الاحتجاجات المناهضة لتسليم جزيرتى تيران وصنافير إلى السعودية، منهم الزميلان أحمد البردينى ومحمد مجدى من «الشروق»، حيث تم خطفهما من شارع طلعت حرب وحجزهما فى مدخل إحدى العمارات لمدة 3 ساعات دون أى سند قانونى.
وفى الوقت الذى منع فيه الأمن أعضاء النقابة من الدخول إلى شارع عبدالخالق ثروت، سمح لعدد من البلطجية الذين رافقوه بالصعود على سلالم النقابة وتعليق صور الرئيس السيسى ووزيرى الدفاع والداخلية على مدخلها، وسب أعضاء مجلس النقابة بأقذر الشتائم، والرقص بعلم السعودية على أنغام «تسلم الأيادى».
ما حدث يوم «الاثنين الأسود» دفع النقيب يحيى قلاش وأعضاء مجلسه إلى عقد مؤتمر الخميس الماضى، لتوثيق ما حدث، وعقب انتهاء المؤتمر، خرج المجلس ومعه عدد من الصحفيين فى مسيرة إلى مكتب النائب العام للتقدم ببلاغ ضد وزير الداخلية اللواء مجدى عبدالغفار يتهمونه فيه بحصار النقابة والتعدى على الصحفيين.
وردد المشاركون هتافات منها «يا حرية فينك فينك.. الداخلية بينا وبينك» و«يا أبودبورة ونسر وكاب.. إحنا صحافة مش إرهاب»، و«اكتب على حيطة الزنزانة حبس الصحفى عار وخيانة»، وقال قلاش خلال مشاركته فى المسيرة «ما حدث يوم 25 أبريل فى كثير من شوارع القاهرة، وأمام مبنى النقابة.. عار».
لم يختلف كثيرا مشهد مسيرة 17 مارس 2013 التى قادها ضياء رشوان، عن مشهد مسيرة الخميس 28 أبريل 2016 التى قادها قلاش، الأولى خرجت احتجاجا على اعتداء ميليشيا الشاطر على الصحفيين أمام مقر الإخوان فى المقطم، والثانية خرجت ضد اعتداء قوات عبدالغفار على الصحفيين أمام بيتهم.
لم تهزم النقابة فى كل معاركها، قتل السادات مغدورا، وسقط مبارك، ولحقه مرسى، وبقيت النقابة وستبقى حصنا للحريات.