المعلومات: الجانب الاقتصادي - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:09 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المعلومات: الجانب الاقتصادي

نشر فى : السبت 30 مايو 2020 - 7:25 م | آخر تحديث : السبت 30 مايو 2020 - 7:25 م

تحدثنا في المقالين السابقين عن المعلومات وأهميتها كأهم أسس التقدم في القرن الواحد والعشرين، وعن التكنولوجيا المستخدمة في الحصول على المعلومات والانتفاع بها. اليوم نتحدث عن الجانب الاقتصادي للمعلومات والذي يعتبر السبب الرئيس في تقاتل الدول والشركات على جمع البيانات بكل الوسائل الممكنة.
هذا الجانب الاقتصادي هو الذي جعل القيمة السوقية لشركة مثل "تسلا" التي تبيع آلاف السيارات أعلى بكثير من قيمة شركة مثل جنرال موتورز التي تبيع ملايين السيارات. السبب هو كم البيانات التي تجمعها سيارات تسلا الذي يعتبر كنزاً في حد ذاته نظراً للمعلومات التي يمكن استخراجها منها؛ مثل حالات الطرق وكفاءة المحركات على الطرق المختلفة والحالة المرورية في كل شارع مرت عليه السيارات وهكذا. المعلومات لها ثمن ولكن ما هو هذا الثمن؟

لنأخذ شركة مثل فيسبوك مثلاً: أنت تستطيع إنشاء حساب على الموقع واستخدام الخدمة مجاناً لكن كلمة "مجاناً" هنا تعني أنك لا تدفع نقوداً لكنك تدفع بعملة أخرى: معلوماتك. ما تكتبه على الفيسبوك وما تتفاعل معه وكل ردود أفعالك على الموقع هي بيانات يجمعها فيسبوك. هذه البينات يتم تحويلها كما تحدثنا في مقال سابق إلى معلومات، تستخدم هذه المعلومات ليس فقط في إظهار إعلانات موجهة لك ولكن يتم بيع تلك المعلومات لشركات كثيرة تساعدها على تقديم منتجاتها أو خدماتها بطريقة أفضل. مثلاً معلومات عن نوعية الكتب التي يحبها الناس في بلد معين تساعد الناشرين على اختيار تلك الكتب لبيعها لأهل ذلك البلد. المعلومات الناتجة عن صور الناس من أعراق وأعمار مختلفة تساعد الشركات المصنعة لبرامج التعرف على الوجوه (Face Recognition) على تحسين برمجياتها. إذا فالمعلومات المستقاة من البيانات التي يجمعها فيسبوك هي سلع يبيعها الموقع لشركات أخرى، نفس الشيء يحدث لشركات مثل جوجل وتويتر وما شابهها، المعلومات أصبحت سلعة.
ليس هذا فقط، فالشركات تستخدم المعلومات لجذب زبائن جدد مما ينتج عنه معلومات أكثر وتدور الدائرة.

لكن ما هو سعر المعلومات؟ هذا سؤال يدور في أذهان الاقتصاديين خلال الأعوام الخمسة الماضية، لكن الإجابة عليه ليست سهلة على الإطلاق. ليس من السهل تطبيق قانون العرض والطلب على المعلومات كما يتم تطبيقه على سلع مثل البترول أو السلع الاستهلاكية أو حتى الخدمية لأن نفس المعلومة يمكن الاستفادة منها في محالات وسلع مختلفة. كما أنه ليس سهلا مقارنة المعلومات بسلعة أخرى بهدف تسعيرها. نتيجة لتلك الصعوبة فقد تجد الشركات الكبرى تستحوذ على شركات أصغر فقط من أجل الحصول على المعلومات التي تمتلكها تلك الشركات الصغيرة مثلما استحوذت شركة أي بي أم (IBM) بملياري دولار على شركة متخصصة في التنبؤ بالحالة المناخية فقط لتحصل على أطنان من المعلومات عن حالات الجو والمناخ في مختلف أرجاء العالم وعبر عشرات السنين بالإضافة إلى التكنولوجيا المستخدمة في قياس الأحوال الجوية. قد تتساءل لماذا تقدم شركة كمبيوتر كبرى مثل أي بي أم على شراء شركة متخصصة في الأرصاد الجوية؟ هذا لأن أي بي أم ستستخدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي تمتلكه (يسمى "واطسون") مع كم المعلومات من شركة الأرصاد لبيع خدمة للشركات الأخرى تساعدها على اتخاذ قرارات يلعب فيها الجو دوراً كبيراً. فمثلاً تساعد هذه الخدمة شركة ملابس على معرفة نوعية الملابس التي يفضلها الناس في درجات الحرارة والرطوبة المختلفة وهذا يساعد شركة الملابس على تنظيم تصنيعها للملابس المعينة حسب التغيرات المناخية، محلات السوبر ماركت تستطيع أيضا استخدام الخدمة نفسها لمعرفة السلع التي يقبل الناس على شرائها في الأحوال المناخية المختلفة.

من الأمور التي تصعب جداً تسعير المعلومات إنها بخلاف السلع الاستهلاكية يمكن نسخها واستخدامها في عدة شركات في نفس الوقت لكنك لا تستطيع فعل ذلك مع سلعة مثل البترول مثلاً الذي إذا اشترته دولة ما فلن تستطيع دولة أخرى شراءه.
المعلومات هي شريان الحياة لبرمجيات الذكاء الاصطناعي وبدون المعلومات فلن تتعلم الآلة القيام بمهمتها وحيث أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أصبح تؤثر في مختلف أنواع الأسواق فالمعلومات بدورها تؤثر في تلك الأسواق لكن بطريقة يصعب تسعيرها.

هنا نقطة بداية جيدة لاقتصاد تكنولوجيا المعلومات في مصر. يصعب تسعير المعلومات بدقة لكنها تستخدم لتقديم الخدمات عن طريق الذكاء الاصطناعي فهل يمكننا في مصر كتابة وبيع برمجيات تستخدم تلك المعلومات؟ بالطبع يمكننا ذلك.
نستطيع في مصر تجميع بيانات كثيرة واستخدامها في تطوير المرافق والشركات والخدمات وعندنا الكفاءات القادرة على فعل ذلك بل وهناك بالفعل مجهودات في هذا الاتجاه لكن الطريق مازال طويلاً.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات