لنطرح السؤال التالى: هل سيتعلم العرب درسا مفيدا، دافعا للفعل وليس للمشاهدة المتثائبة، من واقعة خروج بريطانيا من منظومة الاتحاد الأوروبى؟
أحد أسباب خروج بريطانيا، وليس السبب الوحيد بالطبع، هو فشل البيروقراطيين فى بروكسل والساسة فى كل أوروبا فى إجراء التغييرات والإصلاحات الاستباقية والوقائية فى أنظمة الاتحاد وقوانينه وطرائق عمله وفى تعديل نتائج أخطائه الكبرى، وذلك لتحسين كفاءة عمل مؤسساته ومرونة استراتيجياته حتى تكون قراراته الاتحادية أكثر حساسية تجاه مخاوف ومطالب وآمال مواطنى الاتحاد العاديين، وحتى أيضا تأخذ أحيانا تلك القرارات بعين الاعتبار، وبمرونة معقولة، خصوصيات وظروف هذا المجتمع الأوروبى أو ذاك.
لن يسمح المجال بالطبع إعطاء أمثلة أو توضيحات تفصيلية لما ذكر سابقا باختصار مكثف. وعلى أى حال ليست التفاصيل هى ما تهمنا.
ما يهمنا هو التذكير بأن الكيانات السياسية والاقتصادية الإقليمية المشتركة، إن لم تغير أهدافها المرحلية وأساليب عملها عبر مسيرة حياتها، وإن لم تتراكم إنجازاتها عبر مسيرتها، فإن الظروف والمستقبل سيفاجئنها بأزمات وأخطار يمكن أن تقضى على وجودها أو تضعفها.
مناسبة تلك المقدمة عن أمر يخص الدول الأوروبية هو السؤال التالى:
ألا ترتكب الجامعة العربية ويرتكب مجلس التعاون الخليجى ومجلس الاتحاد المغاربى نفس الإهمال ونفس حماقة عدم القيام بالتغييرات والإصلاحات الهيكلية والقانونية الضرورية والمطلوبة لجعل تلك المؤسسات الثلاث مؤسسات قوية وكفؤة حتى تستطيع المساهمة فى حل إطفاء النيران التى تشتعل فى طول وعرض وطن العرب؟ ألا يحتاج كل قطر عربى، وبدون أى استثناء، لمواجهة الأهوال الأمنية والسياسية والاقتصادية، فى الحاضر والمستقبل، ألا يحتاج كل قطر لمؤسسات عربية، إما إقليمية أو قومية، لمواجهة الإرهاب الجهادى التكفيرى الدولى، ولمنع التدخلات الخارجية فى شئونه الداخلية، ولتحييد خطط استخباراتية لزعزعة استقراره، ولتجنب الوقوع ضحية الإملاءات العولمية النيولبرالية المتوحشة، ولرفض الخضوع لابتزازات القوى الصهيونية سواء الموجودة فى فلسطين المحتلة أو المهيمنة على قرارات ومواقف بعض الدول القوية؟ وبمعنى آخر: هل يستطيع أى قطر عربى أن يعتمد على مؤسسات، إما كسيحة يخجل التاريخ منها، وإما بطيئة كالسلحفاة، وإما مختطفة من قبل هذا النظام العربى أو ذاك؟
لنذكر ببعض الخطايا: مباركات لاجتياحات عسكرية أجنبية لبعض الأقطار العربية، عجز فى المساهمة فى حل الصراعات الداخلية العربية وترك الأمر بيد القوى الخارجية أو المنظمات الدولية، فشل ذريع فى تحشيد وتفعيل القدرات الذاتية العربية لمنع أى من الصراعات الطائفية العبثية، ومن تأمر الأنظمة العربية على بعضها البعض، ومن الانجرار المفجع نحو مزيد من التطبيع والتنسيق والتحالف مع العدو الصهيونى فى شتى المجالات الأمنية والعسكرية والسياسية. فإذا أضفنا الإخفاقات التاريخية فى بناء كتلة اقتصادية متماسكة أو قوة عسكرية مشتركة. أو فى بناء مواقف سياسية عربية موحدة فى الساحات الدولية، سواء على المستوى الإقليمى أو المستوى القومى، أدركنا حجم الضعف الذى أصاب المؤسسات الثلاث.
لا نحتاج إلى تذكيرنا بهذا الإنجاز الصغير المحدود أو ذاك لهذه الجهة أو تلك، إذ نحن معنيون بمواجهة أهوال وأخطار كبرى تهدد الوجود العربى برمته.
أحد أسباب فشل تلك المؤسسات فى القيام بمهماتها الوطنية والإقليمية والقومية هو تردد القائمين عليها، أى الأنظمة العربية، من إجراء التعديلات والإصلاحات الضرورية فى أهداف وتنظيمات ووسائل عمل تلك المؤسسات، وذلك حتى تستطيع القيام بأدوار فاعلة فى الحياة العربية. هناك جهات خارجية وداخلية تريد ألا يزيد وجود تلك المؤسسات عن وجود مظهرى رمزى بروتوكولى، حتى ينعم كل قطر عربى بنعمة السيادة الوطنية الكاملة فى كل حقل وتجاه كل قضية. إنها قمة الاستقلالية الأنانية التى لا تؤمن بالتعاضد ولا بأهمية المصير المشترك ولا بأية تضحية من أجل المصلحة العربية العامة.
لكن، ما لا تدركه الأنظمة العربية أن المؤسسات التى لا تتغير ولا تتطور ولا تقبل الإصلاح والتجديد ستتعرض لأزمات كبيرة فى المستقبل، طال الزمن أم قصر. هذا ما يحصل الآن للاتحاد الأوروبى وهذا ما سيحصل لكل مؤسسات العمل العربى المشترك.
هناك مجموعة من الإصلاحات والتجديدات القانونية والهيكلية، ومجموعة من الأهداف الجديدة، ومجموعة من طرائق العمل الكفؤة الحديثة، إن لم يباشر بمناقشتها الآن وتنفيذها على مراحل معقولة، فإن المؤسسات العربية المشتركة ستنفجر فى وجهها الأزمات وستكون قابلة للتفكيك والانهيار. وهذا ما تريده قوى خارجية، دولية وإقليمية، وقوى داخلية ناقصة عقل وإرادة.
إن أمثولة خروج بريطانيا لن توجود فى الساحة الأوروبية فقط. إنها قد تمتد لتوجود فى أرض العرب، فنحن نعيش عصر المفاجآت التى كنا نعتقد أنها من المحرمات.
ليس من حق الأنظمة العربية أن تعبث بمستقبل مؤسسات تدعى أنها وجدت من أجل مصالح وطموحات الشعوب.
مفكر عربى من البحرين