للرئيس مبارك عدة تصريحات شهيرة منذ عدة سنوات قال فيها إن «مصر ليست سوريا»، وهو ينفى للصحفيين الأجانب سعى جمال للرئاسة.. ومع ذلك لم ينقطع سيل الشائعات حول التوريث، وحتى عندما يخفت أحيانا فإنه يعود بتصريح له مغزى لجمال، أو بزيارات لقرى فقيرة تنشر تفاصيلها الصحف القومية باهتمام أكبر مما تستحقه، لـ«تلميع» مبارك الابن كمرشح وحيد للرئاسة، بعد مبارك الأب طبعا!
ومع الانتشار المفاجئ لصور جمال مبارك فى شوارع القاهرة، تجددت التكهنات بطرح اسمه فى بورصة المرشحين للرئاسة رغم عدم تحقيقه أى نجاحات فى المرات السابقة.. ولأن جمال يمارس معنا العلاقات العامة التى تستهدف تسويق البضاعة الراكدة أو الأفكار المعدة سلفا ــ لا السياسة التى تستهدف التفاعل مع قضايا الواقع بكل صراعاته وتناقضاته ــ فإن تكتيكات جمال لتحقيق حلمه الرئاسى ظلت كما هى بدون تغيير، تعتمد على شعارات بلاروح من نوعية «من أجلك انت» أو «مصر بتتقدم بينا»، بعد أن طرح نفسه كزعيم لتيار الشباب فى الحزب الوطنى ومؤسس «الفكر الجديد».. ومع ذلك فإن ملايين المصريين، وأنا أولهم، لا يعرفون أساسا ما هو الفكر القديم للحزب..!
أما التناقض الكبير والخطير فى تكتيكات جمال، فيتمثل فى الترويج لجهوده الرامية لإجراء «إصلاحات» واسعة فى الحزب الوطنى باعتبارها أهم «الحيثيات التاريخية» لترشحه للرئاسة.. إلا أن نفس الرجل يرفض إصلاح نظامنا السياسى الذى أصابته الشيخوخة والترهل، كما يرفض إعداد دستور ديمقراطى حقيقى، وإنهاء العلاقات غير المشروعة بين أجهزة الدولة والحزب الوطنى، ووضع الشرطة والإعلام على الحياد بين الأحزاب لا أن يكونا سلاحين فى يد الحكومة تقمع بهما خصومها كيفما تشاء..
كما أن جمال بتجاهله التزوير الفاضح فى انتخابات الشورى، يفتح الباب أمام تصديق الشائعات بأن هذا التزوير كان بروفة لانتخابات مجلس الشعب القادمة، بعد إقصاء القضاة عن مراقبتها.. لتسوية الأرض لانتخابه رئيسا بعد طبخ التعديلات الدستورية الأخيرة التى تزيح من طريقه كل المنافسين الأقوياء!
تكتيكات جمال تقربه بالقطع من الرئاسة، ولكنها بالتأكيد تبعده عن الناس.. فهل ينعم جمال، إذا قدر لمصر أن تصبح مثل سوريا، بفترات حكم حالمة كما يعيشها والده فى شرم الشيخ.. أم أن كوابيس مخيفة ستكون بانتظاره؟!