الموجة الثانية
فى السادسة من مساء ٢٣ نوفمبر كتبت:
قرأت للتو هذه التغريدة: «افطر كويس. خد شنطة فيها قناع واقى من الغاز ونضارة بحر. اكتب اسمك على دراعك، واكتب بياناتك فى رسالة على موبايلك وانزل الميدان».
أُعلِن أمس، الثلاثاء، يوما لـ «إنقاذ الوطن»، وطالب الشعب فى أرجاء البلاد بتنحى المجلس العسكرى. وفى المساء، وبينما تركز كاميرات الإعلام على التحرير، كان الجيش والشرطة يهاجمان المواطنين فى الإسكندرية وأسيوط وأسوان ودمياط والإسماعيلية والأقصر والمحلة والمنصورة وسوهاج والسويس. ولكن، وفى عصر المشهد التليفزيونى الذى نعيشه، كانت صور التحرير هى المتداولة: الميدان مزدحم بالناس، مزدان بالأعلام، مغيم بالغاز.
بالأمس توافد الآلاف إلى التحرير. فى الساعات الأولى من الأحد ٢٠ كان المستشفى الميدانى فى مسجد عباد الرحمن يستغيث طالبا «سماعة طبيب وجهاز قياس ضغط وبيتادين وقطن طبى». الثلاثاء بعد الظهر رأيت سبعة مستشفيات ميدانية فى محيط التحرير مكدسة بالأدوية والمعدات، كلها أتى بها الناس متبرعين. جامع عمر مكرم وكنيسة قصر الدوبارة تشاركا فى تنسيق التخصصات الطبية، وعلى جدار قريب منهما كتب أحدهم: «إحنا الميدان: جامع وكنيسة وبرلمان».
وأيضا بالأمس دخل مائتا طبيب وطبيبة من الشباب إلى الميدان، دخلوا معا فى مسيرة بالبلاطى الطبية البيضاء وتوزعوا بين المستشفيات، وخلال ساعات كان الخبر أن إحدى الطبيبات، الدكتورة رانيا فؤاد، قد استشهدت اختناقا بالغاز.
الثورة تستعمل ما تعلمته فى يناير وفبراير وتضيف إليه: يُفط الطريق، مواقع معلومات، إرشادات، شباب على موتوسيكلات ينقلون الجرحى من خطوط المواجهة إلى المستشفيات، التنظيم التلقائى العضوى مبهر، والإبداع المتماهى مع الإنسان واللحظة: طبيب الأسنان الشاب، أحمد حرارة، الذى فقد إحدى عينيه فى ٢٨ يناير، فقد الثانية فى محمد محمود، وأصابوا عين مالك مصطفى ــ وهو من أكثر الثوار شعبية وأيضا عريس جديد ــ وغيرهما، وحين اتضح أنهم يستهدفون العيون ظهرت ضمادة بيضاء على عين أحد الأسود البرونزية الضخمة على مدخل كوبرى قصر النيل فكانت أيقونة جديدة للثورة ورمزا جديدا لها.
فى دور مرتفع فى إحدى عمائر التحرير كانت عيوننا داخل الأقنعة تبكى من الغاز.
المتظاهرون لا يحملون سلاحا. يهاجمهم جنود الشرطة والجيش فيقاومون ببسالة؛ يستعملون حجارة الطريق، يلتقطون قنابل الغاز ويعيدونها مقذوفة إلى مرسليها، يثابرون على الدق المخيف على أعمدة النور ولوحات الطريق المعدنية، يقذفون المعتدين أحيانا بالألعاب النارية. الميدان يعى جيدا المفارقة بين طبولِه وصواريخه الصاخبة وبين فحيح قنبلة الغاز وسكون القناص الخائن.
نقول هذه «أيام الفرز».. الآن، وأنا أكتب هذه الكلمات، فى ذلك الموقع الحرج فى شارع محمد محمود حيث عقدت هدنة فى الثالثة وكسرت فى الخامسة، أطلق الجيش/الشرطة النار على المتظاهرين أثناء صلاة المغرب. المستشفى الميدانى فى كنيسة قصر الدوبارة وفى جامع عمر مكرم ينادى طالبا جراح مخ وأعصاب، الموتوسيكلات أتت بأكثر من خمسين جريحا فى العشر دقائق الماضية.
•••
فى «أحداث محمد محمود» أصيب أكثر من ثلاثة آلاف وثمانمائة شاب وشابة واستشهد اثنان وأربعون، وكان هذا فى الإسكندرية والإسماعيلية والقاهرة ومرسى مطروح. كان أحدهم أحمد سرور، قتلوه فى صباح السادس والعشرين من نوفمبر حين ضربته سيارة شرطة وسحلته مسافة خمسين مترا. أم أحمد سرور فى الميدان، تمسك بقميص ابنها وتوصى: «صحابه كلهم يقفوا له. صحابه كلهم يقفوا له بالورد. صحاب أحمد يقفوا له. صحاب ابنى يقفوا له، زى ما بييجوا يندهوا له ويقولوا له انزل تعالى لنا. الكبير والصغير، لو فيه أى حاجة، انزل يا أحمد تعالى لنا. يقول حاضر. أقول له عشان خاطرى يا أحمد ماتنزلش، يقول بس يا ماما، ماحدش يجيلنا على مافيش يا ماما. بيخدم طوب الأرض. والله بيخدم طوب الأرض. للكبير والصغير حاضر ونعم.. اتصلوا على جارتى مارضيوش يتصلوا عليا، لأ، اتصلوا على جارتى. اتصلوا على جارتى، وافتح الباب ــ أول ما بافتح لها الباب باقول لها مين فيهم فى المشرحة؟ أنا اللى باقول لها، باقول لها مين فيهم اللى فى المشرحة؟ والآخر قالت لى ده أحمد بس إصابة خفيفة. قلت لها أحمد فى المشرحة. أحمد، طالما أحمد يبقى أحمد فى المشرحة. أحمد مافيش حاجة تعَوَرُه. أحمد فى السفارة واخد التلات خرزات فى كعب رجله ماقالش أى. وخلاهم فى رجله. قلت لها مايغلبش أحمد إلا الموت، أحمد فى المشرحة. بقى الكل يقول لى أحمد اتصاب اقول لهم لأ، أحمد ما يغلبوش إلا الموت. ابنى ما يهدهوش إلا الموت.. من أول الأسبوع كل يوم هو واخوه هناك. امبارح بالليل باقول له كفاية كده، عشان خاطرى، طالما ربنا جابها سليمة الأيام اللى فاتت كفاية كده، قاللى مانبقاش رجالة لما نسيب بلدنا.. خَد اخوه ونزل الساعة اتنين بالليل.. ما هو كل يوم هناك، كل يوم بيروح من المغرب يجيلى الصبح الساعة تمانية.. أروح اتطمن عليهم واغطيهم، زى الأطفال، أغطيهم، اطمن انه نام وادخل انام، والله ما بانام إلا اما اغطيهم الاتنين.. الكبير يروح على شغله يا قلب امه، وانا اغطى الاتنين وبعد كده ادخل انام.. نزل الليلة دى الساعة اتنين بالليل.. يا قلبى.. يا قلبى يابنى.. يا حزن العمر كله عليك يا حبيبى يا حنين يا احمد، ياللى عصبيتك تخليك نار وف ثانية تقول لى حقك عليا يا ماما. مسامحاك يا قلب امك، مسامحاك يا قلبى، احتسبتك عند ربنا يابنى، احتسبتك عند ربنا يابنى، احتسبتك عند ربنا يا قلب امك.. باب السما كان مفتوح؟ باب السما كان مفتوح يعني؟ مفتوح لك يا واد يا نضيف يا نزيه، يا واد يا حنين يا خدوم لطوب الأرض.. كنت حاسب يابنى م العربية. بس ضاربينه. مضروب، ومهروس بالعربية. ضاربينه بالرصاص ومهروس بالعربية. دايسين على وسطه التحتانى بالعربية، آدى حكومتك يا مصر وادى شبابك يا مصر اللى اندهسوا. ادى حكومتك يا مصر. حرقوا قلب الأمهات. بضهرهم داسوا على ابنى. ضربوه الأول ودهسوه بضهرهم.. ساب المدرسة من تانية ثانوى وراح اتطوع فى الجيش، أربع تلاف وسبعمية جنيه صارفينهم ورق، والآخر طلعوه بعد سنة وقالوا اسمه مش عندنا.. دم ابنى. دم ابنى أهه.. دم ابنى أهه.. دم ابنى أهه.. آدى دم شهدائك يا مصر، آدى يا حكومة دم الشباب اللى زى الورد.. آدى دم الشباب يا حكومة.. آدى دم ابنى.. آدى دم ابنى.. ماحدش مصدق، ماحدش مصدق أبدا ان ابنى عنده تسعتاشر سنة. طول بعرض. قمر. ضاربينى قبل ماعرف الخبر فى قلبى أنا، ضاربيننى يا قلب امك فى قلبى، ضاربينى يا قلب امك فى قلبى، آااااه، حرام، حرام، حرام عليهم».
أم أحمد سرور فى القاهرة، أم محمد منصور العلمى فى مطروح وأم أحمد طارق فى أسيوط، أم ماجد مدحت يوسف فى الإسماعيلية وأم بهاء السنوسى فى الإسكندرية.. اثنان وأربعون أم فقدن أولادهن فى هذه الأيام الأربعة. أم أحمد سرور قالت «أنا استعوضت عنه ربنا، بس كل واحد فى التحرير ده احمد، ودم أحمد مش هيروح طول ما هم فى التحرير..» وأعلنت الثورة يوم الجمعة ٢٥ نوفمبر «جمعة الشهداء» و«جمعة الفرصة الأخيرة»، وامتلأ الميدان بأعداد وجموع غير مسبوقة من المواطنين تكرر المطالبة بتنحى المجلس العسكرى فى الحال وتسليم السلطة لرئيس مدنى مؤقت. لم يعد الناس على استعداد للانتظار حتى إبريل. الشارع مستعد لتقبل أى من محمد البرادعى أو عبدالمنعم أبو الفتوح أو حمدين صباحى، سواء واحد منهم كرئيس منفرد أو معا كمجلس رئاسى. الهتافات والبانرات تطالب بمحاكمة حمدى بادين، قائد الشرطة العسكرية. الثورة والمطالب فى التحرير هى نفس الثورة والمطالب فى كل المدن المصرية.
ولكن، فى القاهرة، ظهرت حركتان احتجاجيتان بديلتان: أعلن الإخوان المسلمون ــ الذين امتنعوا تماما عن مؤازرة الثورة فى محمد محمود ــ أعلنوا موقفا مغايرا لموقف التحرير، وأقاموا احتجاجا خاصا بهم فى الأزهر (ومن جانبه، تباعد شيخ الأزهر عن موقفهم هذا وأرسل ممثلا للتحرير يطالب بمحاكمة قتلة الشباب)، وفى محاولة واضحة لسحب الأنظار عن «جمعة الشهداء» أطلق الإخوان على الجمعة ٢٥ نوفمبر «جمعة الأقصى»، وكأنه من الصدفة البحتة أن يختاروا هذه الجمعة بالذات للتضامن مع الأقصى الذى تتهدده إسرائيل منذ عقود. وسارع الفلسطينيون ينأون بأنفسهم عن هذا القرار ويتهمون الإخوان بالانتهازية وباستعمال القضية الفلسطينية لتقويض ثورة مصر.
وفى ميدان العباسية، وبالقرب من وزارة الدفاع، قامت أول مظاهرة داعمة للمجلس العسكرى، فأصبح هذا الجمع ــ وكان يحصى فقط بالمئات يصوره تليفزيون الدولة فى لقطات «كلوز أب» وينقله كموازٍ أو مساوٍ لجموع التحرير ــ أصبح نواة الحملة الانتخابية لمرشح الانتخابات الرئاسية، الفريق أحمد شفيق. وكان هذا أيضا هو الظهور الأول لتوفيق عكاشة. وقال بعض أهالى العباسية إن الـمتظاهرين كانوا غالبيتهم مجندين جيش وشرطة يرتدون الملابس المدنية.
وفى شارع محمد محمود أتت قوات الجيش بكتل أسمنتية ضخمة مكعبة، وضعتها فى مجرى الطريق، ومثلما بنوا سورا على الطراز الإسرائيلى عند نهاية كوبرى الجامعة فى مايو، أقاموا اليوم شبيها له يقطع عرض شارع محمد محمود، ليحموا، كما ادعوا، وزارة الداخلية من الثوار. وتغير الشارع تغيرا عبقريا، فتحول من مجرد طريق يصل ما بين ميدان التحرير وميدان الفلكى ولا يتمتع بأى طابع خاص إلى المنزل الروحى للثورة ومَحَجَها. توافد الناس ليزوروا موقع المعركة، وليشاهدوا الجدار الذى أقامه الجيش، ليحاولوا استيعاب المكان الذى استشهد فيه هذا العدد من الشباب وقنصت فيه هذه الأعداد من العيون دفاعا عن التحرير والثورة. وجاء إلى المدينة مجموعة من الفنانين الشباب من الجنوب، فتجلى على أحد الأعمدة مينا دانيال ملاكا متربعا على الأرض، ثم استبقى حائط حرم الجامعة الأمريكية مجموعات من الملائكة فى طريقها الصاعد من الرصيف إلى السماء ــ وكانت الملائكة ترتدى أقنعة الغاز، وإلى جانب الملائكة المقَنَعة ارتسمت مشاهد فرعونية ورموز إسلامية وأيقونات قبطية وأشعار، وازدهرت على الحوائط جداريات ضخمة بهية مبهجة. وفى ديسمبر، حين ارتقى الشيخ عماد عفت شهيدا، تبدى على جدار المدرسة اليونانية متفجر الضوء والطاقة، تنبثق من كتفيه أجنحة زاهية، وتفيض يده الممدودة بالآية الكريمة: «وَقَالُوا رَبَنَا إِنَا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُونَا السَبِيلَا. رَبَنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنا كَبِيرا». نبتت فى الشارع كراسى من البلاستك ونصبات شاى متواضعة، وكان الناس يجلسون مع الأصحاب أو الكِتاب أو اللابتوب ــ فى حضرة الشهداء. وفاضت الألوان من محمد محمود على الميدان نفسه، وعلى شوارع وسط البلد. اللواء محمد البطران، الذى قتلته الداخلية فى يناير ٢٠١١، ظهر هنا ببدلته الرسمية وأجنحته الملائكية فدخل رسميا فى عداد شهداء الثورة. وبعدها، فى فبراير ٢٠١٢، حين قتلوا شباب الألتراس فى بورسعيد فارتقوا شهداء كان الاحتفاء بهم هنا، على هذه الجدران. وطوال ذلك الشتاء المظلم البارد كانت جدران المبانى فى شارع محمد محمود تومض بالتعليقات وبالانتحاب وبالاحتفال. قطع الجيش أوصال وسط البلد بستة جدارات فتحولت كلها إلى تابلوهات راقصة وشواطئ بحار وأقواس قزح وأطفال تلعب وجزر استوائية ثرية بالنبات وبالحياة وخدعات وألعاب بصرية ومشاهد شوارع وطرق تنادى وتتماوج كالسراب.
هُزموا. فى إعادة لهزيمتهم فى ٢٥ و٢٨ يناير، هُزِمت الداخلية فى محمد محمود. تراجعت قواتها وراء الجدار الذى بنته لهم القوات المسلحة. صار الهتاف «إشهد يا محمد محمود / كانوا ديابة وكنا أسود»، وعلى نهاية الأحداث كان رئيس المجلس العسكرى، محمد حسين طنطاوى، قد وعد بأن الانتخابات ستبدأ يوم ٢٨ نوفمبر كما كان مقررا، وقَبِل استقالة الدكتور عصام شرف، وحَوَل قضية ماسبيرو من المحكمة العسكرية إلى محكمة مدنية (فأنهت ليلى إضرابها عن الطعام)، وانتهى كل حديث عن أن الجيش والشعب «إيد واحدة»، وأصبح من المعتاد أن نهتف ونسمع هتاف «يسقط يسقط حكم العسكر».
•••
افتح موقع الانتخابات على النيت وأقوم بإدخال رقمى القومى فيظهر لى رقم لجنتى الانتخابية. أشعر وكأننا نقف فعلا على رأس طريق جديد. أقاموا نحو أربعين ألف لجنة انتخابية ــ وملأها الناس ــ ليس بنسبة الـ ٨٠٪ الذين شاركوا فى الاستفتاء، ولكن بنسبة تقرب من ٦٠٪.
لجنتنا الانتخابية فى المدرسة المجاورة للصيدلية حيث تحادثنا أنا والست كريمة ليلة ٢٨ يناير. أخذت مكانى فى الطابور ننتظر التصويت. كان الكثير منا يلبس السواد حدادا على الشهداء، وهنا فى الزمالك كان الإحساس العام هو محاولة منع الإخوان من الحصول على كرسى فى البرلمان أكثر منه الاحتفال بالديمقراطية. ولكننا، على أى حال، تواجدنا، ودخلنا إلى اللجان الانتخابية، وأدلينا بأصواتنا، ولم يكن هناك من يمنعنا أو من يضربنا، وكانت هناك ترتيبات لتأمين البطاقات وإحصاء أصواتنا.
ولكن: بمشاركتنا فى الانتخابات هل كنا نأتى بحق شهداء ماسبيرو ومحمد محمود؟ أم كنا نخذلهم؟ دب الخلاف فى صفوف اليسار التقدمى. المجموعات التى قررت، بعد مذبحة ماسبيرو، أن المجلس العسكرى فقد شرعيته ويجب أن يُستَبعَد من إدارة البلاد وإجراء الانتخابات زادت صلابة موقفها وأصرت تماما على المقاطعة بعد مقتلة محمد محمود. وانضم لها كثيرون. وكان منطقهم أن مجرد المشاركة فى الانتخابات تعترف للمجلس العسكرى بشرعية فقدها، وبما أن المجلس العسكرى قد ثبت عداؤه للثورة فإعطاؤه هذه الشرعية تعطل مسار الثورة التى استشهد من أجلها الشباب. ولكن الرأى الغالب كان أن الانتخابات وسيلة للتخلص من المجلس العسكرى ومواصلة طريق الثورة.
شخصيا، أعتقد أنه كان من الأفضل، كان التصرف الأكثر حقا وأمانة، لو كنا جميعا قاطعنا الانتخابات وبذا أرسلنا رسالة واضحة بسحب الثقة للمجلس العسكرى. لكن المقاطعة ليست فاعلة إلا إن التزم بها الجميع، وكانت البلاد ما زالت تميل إلى الحوار، والناس على وجه العموم يفضلون الوصول لأهدافهم بالطرق السلمية.
لم تلتزم الانتخابات بالنظام الذى حدده المجلس العسكرى فى بيانه الدستورى الذى نص على أن الأحزاب ستتنافس على ثلثى مقاعد البرلمان والأفراد على الثلث الباقي؛ فتنافست الأحزاب على جميع المقاعد، بينما تنافس الأفراد على الثلث فقط (وبعد الانتخابات حدث بالفعل أن تم تقديم بلاغ إلى المحكمة الدستورية يطعن فى شرعية الانتخابات لمخالفتها البيان الدستوري)، وبالطبع زاد هذا من فرص نجاح مرشحى الأحزاب. الأحزاب ذات الوجود الحقيقى والتنظيم على الأرض كانت أحزاب الإخوان المسلمين («حرية وعدالة»)، والسلفيين («حزب النور»). وكانت الأحزاب الليبرالية قد انشغلت بالحملات والضغوط لمحاولة تأجيل الانتخابات إلى بعد كتابة الدستور فلم تعمل على تحقيق وجود فى الشارع، أما اليسار ــ وهو المحرك الأساسى لكل الحملات والمبادرات والكفاح الذى غذى ويغذى الثورة ــ فكان غير منظم ولا يحتكم على ميزانيات من أى حجم لكنه جمع نفسه قدر المستطاع فى اللحظات الأخيرة فنزل فى بعض المواقع بمرشحين من الشباب تحت عنوان: «الثورة مستمرة».
وحين تم فرز الأصوات كان نصيب الإخوان المسلمين ٤٧٪ منها، والسلفيين ٢٤٪. كسب الليبراليون ١٥٪ واليسار ٤٪. وكانت المفاجأة الباعثة على الأمل أن الشعب لم ينتخب أى مرشح يعرف عنه أى صلة بنظام مبارك، وأن الناس إن وَجَدوا مرشحا من الثورة انتخبوه.