تجدد النزاع الداخلى فى إثيوبيا مرة أخرى بعد خمسة شهور من الهدنة المعلنة من أطراف النزاع أى (جبهة تحرير إقليم التجراى TPLF)، والقوات الحكومية فى أديس أبابا، وهذا ما توقعته فى مقالات سابقة عن الحاله الداخلية فى إثيوبيا منها على سبيل المثال ما مقال بعنوان «هل ستشهد الأزمة الإثيوبية حلا عاجلا قريبا؟» وكان ذلك فى 11 ديسمبر 2020.
السوال هنا لماذا تجدد؟ وفى هذا التوقيت بالذات؟ وهل يستمر فى المستقبل؟
فى اعتقادى ومن واقع معايشتى للواقع الاثيوبى مايلى:
1 ــ هناك ارتباط منظومى قائم فى القرن الأفريقى، وإثيوبيا تتلاحم فيه مع ما يشهده من طيف من الصراعات السياسية وبفعل الجغرافيا السياسية.
2ــ تصاعد التوترات والاشتباكات العسكرية فى إثيوبيا والسودان حول نزاع إقليمى، وخلافات دبلوماسية بين كينيا والصومال حول منطقة بحرية متنازع عليها فى المحيط الهندى.
3ــ وانحدرت الحكومة الإثيوبية إلى حرب أهلية مع المتمردين المتحالفين مع جبهة تحرير شعب تيجراى التى حاولت الاستيلاء على السلطة.
4ــ كما تعمقت الأزمات الانتخابية والسياسية فى الصومال مما أدى إلى مواجهة عنيفة قصيرة بين القوات الموالية للحكومة والقوات الموالية للمعارضة فى عاصمة البلاد مقديشو.
5ــ زاد الصراع الثلاثى بين مصر وإثيوبيا والسودان حول بناء سد النهضة الإثيوبى الكبير من احتمال عدم الاستقرار على مستوى المنطقة.
6 ــ شهد السودان، اضطرابات الانتقال إلى الحكم المدنى والديمقراطى لضغوط كبيرة فى أعقاب الخلل الوظيفى والتجاوز العسكرى.
7ــ انضمت إريتريا إلى مسرح النزاع فى إثيوبيا حيث تم الإبلاغ عن انتهاكات شنيعة لحقوق الإنسان وجرائم حرب محتملة، مما أدى إلى إعادة فرض العقوبات الدولية على أسمرة.
8 ــ ومن ناحيه الضغوط الجيوسياسية، فقد شهدت المنطقة منافسة وتنافسا كبيرين مزعزعين للاستقرار أيضا لقوى الشرق الأوسط، وأدى التنافس العالمى بين القوى الكبرى الذى يضع روسيا والصين فى جهة، والقوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية فى جهة أخرى، إلى اختناق فى الأزمات الإقليمية.
فى مثل هذه البيئة، صعد المنافسون الجيوسياسيون حصصهم من خلال محاولة كسب النفوذ على الجهات الفاعلة المحلية وتشكيل الأزمات المحلية لصالح حساباتهم.
وهنا ينبغى على المجتمع الدولى أن يرصد عن كثب كل المخاطر المتوقعة، وأن يستعد بشكل كافٍ للتخفيف من التداعيات المحتملة لمنع انتشار عدم الاستقرار وانعدام الأمن على نطاق واسع فى القرن الأفريقى والمنطقه ككل.
لكن السؤال المهم هو ماذا عن تطور الصراع فى التجراى؟. ولماذا الآن وبعد خمسة أشهر من الهدنة بين أطراف النزاع واحتمالاته حاليا وفى المستقبل؟.
أولا: التوقيت: واضح الاهتمام البالغ للولايات المتحدة بالمنطقه فقد تم تعيين السفير ديفيد سارترفيلد خلفا للسفير جفرى فيلتمان كمبعوث جديد خاص بالقرن الافريقى وفى تصريح لوزير الخارجيه المريكى انتونى بلينكن ذكر الاتى: «أتطلع إلى الترحيب بالسفير الجديد ديفيد ساترفيلد فى الأيام المقبلة. بالنظر لعدم الاستقرار المستمر فى القرن الأفريقى والتحديات السياسية والأمنية والإنسانية المترابطة فى المنطقة فإنها تتطلب تركيزا مستمرا من قبل الولايات المتحدة. وستكون الخبرة الدبلوماسية للسفير الجديد والعمل وسط بعض الصراعات الأكثر تحديا فى العالم مفيدة فى جهودنا المستمرة لتعزيز القرن الأفريقى السلمى والمزدهر وتعزيز المصالح الأمريكية فى هذه المنطقة الاستراتيجية.
ثانيا: تجدد القتال بعد خمسة شهور من الهدنة بضربة جوية على إقليم تيجراى الإثيوبى أذاعها التلفزيون المحلى، وبث صورا لمبانٍ مدمرة ومصابين وحكومة أديس أبابا ترفض التعليق. وتأتى الضربة بعد أيام من استئناف القتال على حدود منطقتى تيجراى وأمهرة بين الحكومة الاتحادية وقوات من منطقة تيجراى. وتبادل الطرفان الاتهامات بالمسئولية عن انتهاك وقف إطلاق النار المستمر منذ خمسة أشهر.
وأعلن سلاح الجو الإثيوبى الأربعاء الماضى إسقاط طائرة محملة بأسلحة زعم أنها كانت فى طريقها لجبهة تحرير شعب تيجراى، وقد خرقت المجال الجوى للبلاد عبر السودان، على ما أفادت وكالة الأنباء الإثيوبية «إنا». ونقلت الوكالة الرسمية عن الجنرال تيسفايى أيالو قوله إن «الطائرة التى انتهكت مجالنا الجوى من السودان والتى كانت تهدف إلى إمداد المجموعة الإرهابية بالسلاح أسقطتها قواتنا الجوية البطلة». لكن الحكومة السودانية نفت كل هذه الادعاءات كما نفتها أكثر من مرة من قبل خصوصا حينما كان القتال محتدما بين الحكومة وجبهة تحرير التجراى قبل شهور.
وأخيرا علينا أن ننتظر لنرى إلى متى سيستمر النزاع؟ وخاصة مع وجود المبعوث الأمريكى الجديد الخاص بالقرن الافريقى؟.
المتابعة الدقيقة لتطورات النزاع لها تأثير كبير على مفاوضات سد النهضة والاجابة على تساؤل مهم وهو: مع من نتفاوض، مع تفاقم وتأزم الوضع الحالى الداخلى فى إثيوبيا؟.
المؤكد أن كل الاحتمالات واردة ليس فقط فى إثيوبيا، ولكن فى منطقة القرن الأفريقى بأكملها.