إسناد العرب الضرورى لبريكس - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 8:49 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إسناد العرب الضرورى لبريكس

نشر فى : الأربعاء 30 أغسطس 2023 - 8:40 م | آخر تحديث : الأربعاء 30 أغسطس 2023 - 8:40 م

فى عام 1968 اجتمع ثلاثون من علماء التربية والسياسة والاقتصاد والمال فى إيطاليا وكونوا ما عرف بنادى روما لمناقشة حاضر ومستقبل البشرية وحضارة العالم. وخرج المجتمعون بوثيقة مشروع مستقبل الإنسان، والذى صدر حينئذ فى كتاب تحت عنوان: حدود النمو.
شخّص ذلك الكتاب أهم مشاكل ذلك الزمن بأنها: الفقر المذل، وتدهور البيئة المصاحب لتقدم التكنولوجيا ولازدياد عدد السكان، والأزمات الاقتصادية والمالية المتكررة، وفقدان الثقة فى مؤسسات المجتمع، وفقدان الأمان فى وظائف العمل، وثورات الشباب على القيم والأخلاق، والتى جميعها تتواجد فى كل العالم وإن بنسب وتأثيرات متباينة.
وكان الكتاب صرخة تنبيه لضرورة مواجهة تلك المشاكل بحلول فاعلة، وذلك قبل أن تصبح كوارث فى المستقبل المنظور.
لكن دوائر الرأسمالية الصناعية والمالية، وإعلامها المنحاز لوجهات نظرها، وقوى سياسية انتهازية عمياء اعتبروا النتائج التى توصل إليها نادى روما مبالغا فيها وأن لهجة التقرير متشائمة أكثر من اللازم وبالتالى ضرورة تجاهله. وكرد فعل صدرت مبادرات وتقارير وصيحات وكتب من شتى بلدان الغرب الأوروبى والأمريكى وتابعيها تحذر العالم من أخذ كتاب حدود النمو بجدية، لأنه لن يقود إلا إلى إيقاف التقدم والنمو الرأسمالى الهادر والمتعاظم، بل وإلى ترجيح كفة القوى اليسارية الاشتراكية المناوئة للغرب ولرأسماليته.
أبدا، إنها الدائرة المفرغة الأبدية، وهى تدور حول نفسها قرنا بعد قرن، دائرة الرفض التام من قبل الرأسمالية وغالبية الرأسماليين لكل محاولة من أى نوع كان لأنسنة نشاطاتها وتنظيم فوائدها ومحاولة بناء تعايشها مع أى أيديولوجية أو قيم أو أنظمة تحاول ضبط جنونها وشطحاتها التاريخية وأطماعها غير المحدودة.
وكانت من أهم المحاولات آنذاك ما تقدمت بها قوى يسارية فى أمريكا الجنوبية لبناء مجتمع اشتراكى تميزه العدالة الاجتماعية والمشاركة الشعبية غير المزيفة ويقوم اقتصاده على إشباع الحاجات الأساسية لكل سكانه. لكن مثل تلك المحاولات ضاعت فى أتون الصراع الغربى ــ السوفييتى المستميت.
اليوم يثبت بصورة جلية موضوعية أن استنتاجات نادى روما وتوصياته، ومختلف مبادرات يسار القرن الماضى لتدجين الرأسمالية الكلاسيكية ومن بعدها الرأسمالية النيوليبرالية كانت جميعها محقة وكانت تستحق أن يأخذها العالم بجدية وترحيب. ويثبت أنه لو أن العالم تعامل معها بإيجابية وطورها عبر الستين سنة الماضية لما وجدنا أنفسنا الآن نواجه الأوضاع الحياتية الخطرة التى نعيشها والمستقبل الذى نخشاه.
لعل تكتل بريكس الاقتصادى الذى يحاول أن يماثل بعض المحاولات السابقة التى ذكرنا لن يلقى نفس المواجهة المجنونة المتعنتة السابقة من دول الغرب الأمريكى والأوروبى وتابعيه ومن دوائر التحكم الرأسمالى العالمية إياها.. لعله يعطى فرصة تطوير محاولة إيجاد مخرج من جحيم المصائب والانتكاسات والحروب التى عاشها العالم عبر القرنين الماضيين على الأقل، ونقل العالم إلى نظام دولى أكثر عدالة وأكثر مساواة وأكثر تضامنا فى كل مجالات الحياة الإنسانية والبيئية.
ولعل العالم الثالث، المتضرر والمنهك والمهيمن عليه من قبل الغرب الاستعمارى الرأسمالى، قبل وأثناء وبعد استقلاله وتحرره، يدرك هذه المرة أهمية مساندته التامة لمجموعة بريكس، وعلى الأخص بعد أن انضمت إليها دول من قلب العالم الثالث، بل وتطالب أغلبيته بالانضمام فى القريب العاجل. سيكون محزنا لو وقفت دول العالم الثالث، ومنها بالطبع دول الوطن العربى، موقف المتفرج على محاولات بريكس، تماما كما فعل العالم الثالث بالكثير من المحاولات السابقة وسمح لنفسه أن يكون تابعا وذيلا لدول الغرب الرأسمالية، فكرا واقتصادا وسياسة وثقافة.
وبالطبع يهمنا نحن العرب بالذات أن لا نكون آخر من يأخذ هذه المحاولة الجادة بتبنٍ إيجابى ودعم متفاعل ومساند ومستقل.
اليوم، والغرب يدفع بقوة وجنون نحو عالم بلا روابط عائلية واجتماعية وإنسانية تضامنية، وعالم بلا قيم أخلاقية أو دينية ضابطة، وإلى ثقافة مسطحة استهلاكية جشعة أنانية.. اليوم ما عاد يحق لنا، أخلاقيا ومبدئيا، أن نقف متفرجين بانتظار ردات الفعل والقرارات الأمريكية والأوروبية. آن لهذا العالم أن يخرج من سطوة وجنون سيطرتهما على الحضارة الكونية، وقريبا على الفضاء الخارجى وما فيه من خيرات وإمكانيات.
لعل الوطن العربى، أكثر المناطق استباحة واستغلالا وتلاعبا بمقدراته، يبدأ، من خلال بعض دوله الجريئة ومن خلال مناقشات جريئة صادقة فى مؤسساته الإقليمية، بالعض على موضوع بريكس، الذى يمثل فرصة نادرة للعرب قد لا تعود إلا بعد قرون.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات