تركزت حملات الذين هاجموا مقترحات الأستاذ هيكل وتصوراته حول الإصلاح فى مصر وتجنب ما سماه بـ«الفوضى السوداء»، على مطالبته بتشكيل مجلس أمناء للدولة والدستور يقوم بوضع عقد اجتماعى ودستور جديدين..
وطبقا لما قاله صحفى كبير بجريدة عريقة، فإن هذا الاقتراح نفسه غير دستورى، محذرا من أن تجاوز الدستور سواء بإنشاء مجلس الفقهاء، كما طالب الإخوان المسلمين من قبل أو بتكوين مجلس الأمناء، كما طالب هيكل الآن، هو المقدمة الحقيقية للفوضى التى تفتح علينا أبواب جهنم..!
والواقع أن كاتبنا الكبير فى المؤسسة العريقة تجاهل عددا معتبرا من الوقائع السياسية المهمة التى تتعارض على طول الخط مع استنتاجاته ووجهة نظره.. أهمها أن حكوماتنا بعد تبنيها سياسة الانفتاح الاقتصادى منذ حكم السادات وحتى التعديلات الدستورية الأخيرة عام 2006، وهى تنتهك مع سبق الإصرار والترصد مواد مهمة بالدستور تعبر عن جوهر فلسفته السياسية..
فكل المواد التى كانت تشدد صراحة وبالنص القطعى الواضح على أن القطاع العام هو الذى يجر قاطرة التنمية الاقتصادية طبقا للمفاهيم الاشتراكية، كانت عمليات الخصخصة وبيع هذا القطاع الرأسمالى تتم بطريقة هيستيرية..
وفى حين كان الدستور يؤكد صراحة أن التخطيط المركزى هو أساس فلسفتنا الاقتصادية كانت حكوماتنا تتخلى عن قيادة الاقتصاد وتعتمد على آليات وقوانين السوق وتشجيع القطاع الخاص.. حدث ذلك بمباركة الرئيسين مبارك والسادات ومجلسى الشعب والشورى الذين أقسموا كلهم على احترام الدستور، ودون أن تحدث فوضى كما يخشى الصحفى الكبير فى الجريدة العريقة..!
والأهم من ذلك، أن نظامنا السياسى حتى الآن يعتمد على الحزب الواحد فى ضربة ثانية وقاتلة للدستور قبل وبعد وفى أثناء تعديلاته.. فالحزب الوطنى الحاكم يتصرف وكأنه أكبر من الدولة وأن أجهزتها المفترض أن تتسم بالحيادية، أصبحت أدواته السياسية التى يستخدمها ليلا ونهارا لتنفيذ أفكاره وتحجيم وقمع معارضيه، وهو ما يعتبر فى واقع الأمر انقلابا على الشرعية الدستورية.. وكل هذا لا يلاحظه كاتبنا الكبير فى صحيفتنا العريقة، الذى لاحظ فقط خطر الانقلاب على الدستور من الإخوان ومن مقترحات هيكل..!
حسب فهمى لمقترحات الأستاذ هيكل، فإنه يقدم آلية للانتقال السلمى من هذه المرحلة التى أصبح فيها نظامنا السياسى غير صالح لاستهلاك الآدمى إلى مرحلة جديدة، لم يطرح هيكل أى ملامح لها بل تركها إلى إجماع وطنى تشارك فى الحوار بشأنه الحكومة مع شخصيات مستقلة،
وإن كنت أنا شخصيا أود أن تشارك فيه القوى الحزبية الكبرى كالوفد والناصريين والإخوان والشيوعيين والليبراليين.. ولكن على ما يبدو هناك رغبة عارمة لدى الكثيرين لإبقاء الوضع كما هو عليه، بإفراغ أى حوار وطنى جاد من محتواه، وافتعال قضايا هامشية ليجرونا فى أفضل الأحوال إلى حوار للطرشان كل منا يغنى فيه على ليلاه..!
mesmat@shorouknews.com