أعادتنا معارك التيارات الإسلامية مع القوى المدنية هذه الأيام ، إلى أسئلة بديهية حول ماهية هويتنا وشخصيتنا القومية .. وهل نحن "مسلمون كفاية"أم اننا نعيش فى " مجتمع جاهلى" ونحن لا ندرى ؟ وهل بتمسكنا بالمؤسسات السياسية الغربية كالأحزاب والبرلمانات والوزارات وبقية أركان الدولة الغربية ، أصبحنا أنصاف كفار، أو بمعنى آخر أنصاف مسلمين ، أم أننا لا نملك إلا أن نمضى فى هذا" الطريق الغربى " لنساير العصر ومنجزاته الفكرية والفلسفية ، بعد ان نهلنا من الغرب منجزاته العلمية وعشنا على بضاعته التكنولوجية التى انتشرت فى بيوتنا وشوارعنا ومختلف أرجاء حياتنا ،اسلاميون كنا أم مناصرين للقوى المدنية، أم كنا بين هذا الطرف أو ذاك ؟
هذه الاسئلة التى لا تزال سوقها رائجة منذ الحملة الفرنسية و حكم محمد على، دون أن تعثر على إجاباتها حتى الآن ،بل صاحبتها معارك استنفذت الكثير من عافيتنا الفكرية بدون مردود يحل قضايانا الصعبة ..فعلى سبيل المثال تعرض رفاعة الطهطاوى لموجات من الهجوم الضارى عقب نشره كتبه التى تبدى اعجابا كبيرا بفرنسا .. وهونفس الهجوم الذى تعرض له محمد عبده من الكثير من الشيوخ بعد نشره تفسيره للقرآن الكريم .. وهو ثالثا نفس الهجوم الذى تعرض له الشيخ على عبد الرازق فى كتابه الإسلام واصول الحكم الذى تراجع عنه فيما بعد.. وهو رابعا نفس الهجوم الذى لاقاه طه حسين فى اعتماده على مذهب الشك الديكارتى مطعما بافكار الكثير من المستشرقين، فى كتاباته حول القرآن وتاريخنا الإسلامى .. وهو خامسا نفس الهجوم الذى تعرض له مفكر كبير بحجم الدكتور محمد أحمد خلف الله – رحمة الله عليه- فى رسالته للدكتوراه حول " الفن القصصى فى القرآن الكريم " ، والذى لقى بسببها تجاهلا تاما من كل مؤسساتنا رغم ثقافته الموسوعية ، وهو الرجل الذى ساقتنى الظروف لأن أكون قريبا منه فى بداية حياتى الصحفية ، وأعى قيمة وقامة هذا المفكر العظيم .
والأمر المؤسف ، أو قل المشين ، أننا لا نزال نجتر نفس المعارك التى خاضها هؤلاء المفكرون مع خصومهم من التيارات الإسلامية ، ولكن بطريقة اكثر سطحية وسذاجة وابتذالا ، لم نضف إلى تراثنا المعرفى ما تمخضت عنه هذه المعارك الفكرية من نتائج ، ولم نرتق بها إلى مستويات أكثر نضجا ، تعيننا على فهم صحيح لشئون ديننا ودنيانا ، وحل خلافاتنا بطريقة حضارية بدون شعارات جوفاء ، وبدون شطحات يتحفنا بها شيوخ الفضائيات بدون خجل، ولا وازع من ضمير !
ربما كانت دولة عبد الناصر التى وضعت اللبنة الأولى فى مؤسسات القمع التى رعاها السادات ومبارك ، هى السبب فى إفتقادنا لثقافة الحوار ، وضياع فضيلة التسامح وقبول الآخر، حتى أوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن من فوضى فكرية وسياسية ، وانتشار ثقافة الإقصاء والتكفير ، واستخدام رموز كبيرة من النخبة الألفاظ النابية والسوقية ، فى معاركهم الفكرية مع مخالفيهم فى الرأى !!
نحن ننحدر بسرعة كبيرة نحو القاع ، بعد أن أخرجت ثورة يناير أسوأ ما فينا ،فى جريمة مكتملة الأركان ، شارك فيها الجميع بالصمت أحيانا ، وبإشعال الحرائق فى معظم الأحيان، فالإسلاميون نصبوا مزاد التطرف وسلاح الحلال والحرام ، والليبراليون إهتموا بالظهور فى الفضائيات والبحث عن مغانمهم الخاصة ، رغم أن النار تشتعل تحت الرماد، وتهدد الجميع بلا استثناء..فهل نعى أننا بحاجة إلى ثورة ثقافية واخلاقية تكمل ثورة 25 يناير ، لندير خلافاتنا بطريقة سلمية ،قبل فوات الأوان ؟