لعلك شاهدت هذا الفيلم يوما ما لكننى لم أشاهده إلا فى زمن اليوتيوب، ولا شك أن متابعته أمر مهم لمن يحبون السينما المصرية ويحبون قصصها، إنه فيلم «شرف البنت» بطولة عقيلة راتب، وشادية، وعماد حمدى من إخراج حلمى رفلة عام 1953، وهو يدور حول فنانة صغيرة تنافس أمها فى الغناء، وتكتشف الأسرة أنها متورطة فى مشكلة عاطفية وأنها أخطأت مع شاب، وتحاول الأم وخطيبها التوصل إلى الشاب المتسبب فى الحمل لكنهم يكتشفون أن هناك خطأ فى الحسابات وأن البنت كانت تتحدث عن زميلتها الحميمة التى أخطأت مع حبيبها.
هل تذكرك هذه القصة بفيلم آخر بطلته نبيلة عبيد، ومديحة يسرى، وأحمد مظهر ملون، باسم «خطيب ماما» عام 1969، نعم إنها القصة نفسها بدون أى تغيير، هذه ظاهرة سينمائية عالمية وجدت نفسها أيضا فى السينما المصرية منذ نشأتها وتسمى بالريماك، أو إعادة عمل القصة فى فيلم جديد، وفى بلادنا فكم شاهدنا من أفلام هى بمثابة إعادة لأفلام قديمة أحببناها، والقائمة طويلة للغاية، منها على سبيل المثال فيلم «ارحم دموعى» الذى صار «حب وكبرياء» و«غضب الوالدين» الذى أصبح «وبالوالدين إحسانا»، والكثير من أفلام حسن الإمام التى أخرجها فى الخمسينيات، ثم أعادها فى السبعينيات، ومنها «حب فى الظلام» و«بائعة الخبز»، إنها ظاهرة تثبت أن القصص الإنسانية لا جديد فيها، موضوعاتها متشابهة، وأنه من الأفضل استحضار قصة قديمة جاهزة من إبداع موضوع جديد، باختصار، لأنه ليس هناك أى جديد، مثل فيلم «أيامنا الحلوة»، أو القصص المأخوذة عن «غادة الكاميليا» أو «الكونت دى مونت كريستو» أو مسرحيات شكسبير، وعلى رأسها: «روميو وجولييت» أو «ترويض النمرة» و«الملك لير».
وفى فيلم «شرف البنت» رأينا أبطال السينما فى الخمسينيات، أما فى فيلم «خطيب ماما» فإن السينما تثبت أن نجومها القدامى هم الخير والبركة مثل مديحة يسرى، وحسن فايق، وأحمد مظهر، وعبدالمنعم إبراهيم الذين كانوا جميعا تقدموا فى العمر، خاصة حسن فايق الوحيد الذى شارك فى الفيلمين وبينهما ستة عشر عاما، وهو الذى جسد دور الجد.
مكتوب فى عناوين فيلم «شرف البنت» أنه مأخوذ عن قصة للكاتب الأمريكى سيدنى شيلدون، أما فيلم «خطيب ماما» فإن الكتابة كلها منسوبة إلى سيد بدير، علما أنه قليل جدا ما قام أبو السعود الإبيارى بذكر أصول الأفلام التى اقتبسها، أما سيد بدير فهو أيضا نادرا ما يكتب أسماء مصادر أفلامه، والغريب أنه فى تلك الفترة كان أبو السعود الإبيارى يعيد كتابة قصصه القديمة مثل «الزوجة 13» الذى أعاد به قصته القديمة الزوجة السابعة، إلا أن سيناريو الفيلم المعاد لم يكتبه الإبيارى، وكما نعرف فإن الأب غير موجود فى الفيلمين، وكانت المعضلة أن الأم كان عليها الاستعانة بزميل لها لكشف اللغز، وتقع الفتاة فى غرام هذا الزميل الذى يحب أمها، وهى لا تزال جذابة عند الرجال، ويتضح فى النهاية أنهم قرأوا رسالة لا تخص ابنتهم بل إحدى صديقاتها المقربات.
الفيلم القديم تم إنتاجه فى عصر ازدهار الفيلم الغنائى، لذا فقد امتلأ بالأغنيات التى غنتها شادية، وعقيلة راتب، وكانت هناك حبكة إضافية حول المنافسة بين الأم وابنتها؛ حيث بدأ المنتجون فى الاستعانة بالشابة الصغيرة لعمل دور مسرحى غنائى عاطفى، باعتبار أن الأم صارت كبيرة على مثل هذا النوع من الأدوار، إلا أن البنت ترفض منافسة أمها، وأعتقد أن شرف البنت يتمثل هنا فى موقف الابنة، أكثر ما يتمثل فى أنها وقعت فى الخطيئة، وهذا بلا شك هو ما يهدف إليه الكاتب الأمريكى، أما الفيلمان المصريان، فقد تعاملا مع وهم الشرف وهو يتمثل فى أن يغرر شخص بالابنة البريئة، ورأينا الفيلم الثانى من بطولة نجوم ليس لهم باع فى السينما الغنائية، ما دفع الكاتب والمخرج إلى زيادة جرعة المواقف الضاحكة، وهذا هو الفرق بين إيقاع الأفلام فى بداية الخمسينيات، ونهاية الستينيات.