كل الطرق تؤدى ــ حتى الآن ــ إلى نشوب حرب فى ليبيا، ترفع مستوى المواجهات المصرية التركية من حلبات السياسة والدبلوماسية والتراشقات الإعلامية إلى مواجهات عسكرية بين البلدين، قد تكون فى الأغلب حربا بالوكالة حيث تساند مصر جيش اللواء متقاعد خليفة حفتر، فى حين تساند تركيا حكومة فايز السراج المحاصرة الآن فى طرابلس.
مصر ترى أن التفاهمات التركية مع حكومة السراج واستعدادها لمساندته عسكريا هو اعتداء سافر على أمنها القومى، حيث سيجعل ليبيا مصدرا للتهديد لها عبر نقل المتطرفين الإسلاميين من سوريا إليها، إضافة إلى اعتقادها بأن حكومة السراج ميولها إخوانية، وأن فرض سيطرتها على ليبيا سيعزز من مواقع إخوان مصر فى معارضتهم للنظام، فى نفس الوقت الذى ترى فيه القاهرة أن أطماع تركيا فى الغاز والبترول الليبى لا يمكن السكوت عليها، وأنها ستجعل من ليبيا بكل ثرواتها مخلب قط فى يد تركيا تناكف أو تهدد به مصر.
فى حين ترى تركيا أنها تساند حكومة ليبيا المعترف بها دوليا، وأنها السلطة الوحيدة التى تمتلك الشرعية الدولية فى ليبيا، كما أن هذه المساندة ستجعل من تركيا طرفا أصيلا فى أى جهود مستقبلية لإحلال السلام فى ليبيا مع انعقاد مؤتمر برلين أوائل الشهر المقبل، على أمل أن يكون لها نصيب معتبر من كعكة الغاز والبترول الليبى إذا ما قدر لهذا المؤتمر أن ينجح ويحقق أهدافه، فى نفس الوقت الذى توفر فيه مساندة تركيا لحكومة السراج جبهة جديدة لتأكيد نفوذها الإقليمى والضغط على القاهرة والسعودية والإمارات، وتعزيز أهدافها كزعيمة للعالم الإسلامى، أو كما يقول البعض دفع أحلام اردوغان فى إعادة الامبراطورية العثمانية خطوة للأمام.
لكن الصراع فى ليبيا ليس قاصرا على مصر وتركيا فقط، هناك روسيا التى تتطلع لموقع قدم جديد فى البحار الدافئة، مع ضمان استمرار هيمنتها على سوق الغاز الاوروبى، وهناك أوروبا العطشى للغاز والتى تتأرجح دولها ما بين تأييد حفتر ومساندة السراج، وهناك واشنطن التى يبدو انها لا تريد حسم الصراع بشكل نهائى لصالح أى من الطرفين المتصارعين فى ليبيا، وأن تتواصل لعبة لا فائز ولا مهزوم بين حفتر والسراج، وسط مخاوف من الجميع من أن تخرج لعبة الحرب والسلام فى ليبيا عن السيطرة، وتتورط الأطراف المختلفة المصالح والأهداف فى هذه الحرب التى تدق أبواب ليبيا.
وسط هذا الوضع المعقد فى ليبيا، يبدو أننا فى عالمنا العربى أو فى الكثير من دوله المهمة على الأقل، فقدنا القدرة على ترتيب أولوياتنا الاستراتيجية، صراعاتنا الإقليمية والداخلية جعلت من إسرائيل صديقا وشريكا حميما فى تحديد مستقبل الإقليم، وأصبحت تركيا وإيران على رأس أعداء الأمة العربية، قد تكون هناك بالفعل خلافات حقيقية معهما وتضارب كبير فى المصالح معهما، بل وهناك ملحوظات سلبية على سياساتهما، لكن أن يكون خطرهما أشد علينا من الخطر الصهيونى، فهو ما لا يمكن فهمه ولا استيعابه ولا بالطبع قبوله!
مهما كانت أطماع تركيا أو إيران فى عالمنا العربى، أو رغبتهما فى تعزيز نفوذهما وهيمنتهما عليه، فلا يمكن مقارنتها بالخطر الإسرائيلى، وقد يكون من الواجب مواجهة هذه الأطماع أو هذه الرغبات سواء فى دول الخليج أو حتى فى ليبيا، لكن من الأولى مواجهة الشيطان الصهيونى الذى يحتل أراضينا ويدنس مقدساتنا ويتحالف مع قوى غربية لنهب ثرواتنا، وشن الحروب على هذا البلد أو ذاك كلما دعت الضرورة لنظل دوما غارقين فى مستنقع الفقر والبؤس والديكتاتورية.