الكذب على الدولة - سامح فوزي - بوابة الشروق
الإثنين 30 ديسمبر 2024 7:36 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الكذب على الدولة

نشر فى : الثلاثاء 31 يناير 2017 - 9:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 31 يناير 2017 - 9:25 م
البحث الاجتماعي ضعيف، الأسباب كثيرة تحتاج إلى شرح وإسهاب، ولكن ما يقلق أن الظواهر المرضية تتكاثر دون أن نتمكن من التفسير، ثم المواجهة. في حوار صحفي منذ أيام قال الدكتور أحمد الانصاري، رئيس هيئة الاسعاف: يُغلق 90 ألف خط محمول سنويا بسبب البلاغات الكاذبة، وهو أقصى ما هو متاح قانونا في الوقت الراهن، وهناك اتجاه إلى تعديل تشريعي يٌجرم البلاغات الكاذبة، والمعاكسات أثناء تقديم الخدمة. بالطبع البلاغ الكاذب يعني إهدار موارد، لأن سيارة الاسعاف تهرع إلى المكان، بما يؤدي إلى استهلاك الخامات والبشر فيما ليس فيه نفع، ليس هذا فحسب بل يترتب على ذلك حرمان أو تأخير وصول الخدمة إلى شخص في أمس الحاجة إليها.
السؤال: ما الذي يدفع شخصا يمتلك هاتفا محمولا يٌجري مكالمة هاتفية- يدفع ثمنها- حتى يعطي معلومات خاطئة عمدا لإحدى الجهات، ليس لسبب إلا لتشتيت جهودها، وتحميلها خسائر؟

ظاهرة أن المواطن يريد أن يكبد الدولة خسائر ليست جديدة، لها شواهد عديدة منها إتلاف الممتلكات العامة عمدا ليس لسبب سوى ممارسة شهوة تحطيم الشيء (تذكروا كبائن التليفونات العامة في الشوارع وما حدث لها)، هذا بخلاف الاعتداء على الممتلكات العامة بهدف التربح مثل سرقة مهمات الكهرباء والصرف الصحي والسكك الحديدية وغيرها. يضاف إلى ذلك بالطبع استباحة الشارع، الرمز البارز للمجال العام، من خلال احتلال الأرصفة، وسرقة التيار الكهربائي من أعمدة الإنارة، وإلقاء المخلفات والقمامة نهارا جهارا فيه.

السبب في رأيي أن المواطن منذ نعومة أظافره- أي في المدرسة - لم يتعلم التربية المدنية، التي تتصل بالآداب العامة، وطريقة تعامله مع الشارع، والبشر، والحفاظ على البيئة واحترام حقوق الغير مما أفقد المؤسسة التعليمية إحدى الوظائف الأساسية في التنشئة، وحرم الطلاب من اكتساب ثقافة مدنية مهمة تلعب دورا في تطوير الوعي الاجتماعي، والتغيير الثقافي، وخلق أجيال جديدة لديها الوعي.

ويرافق غياب الثقافة المدنية للمواطن حالة تغول من بعض أجهزة الدولة تشعر المواطن دائما بالعجز، وتولد لديه شعور بالرغبة في الانتقام. الرشوة التي يدفعها لصغار الموظفين خاصة في المحليات، سوء التعامل مع المواطن البسيط في الأماكن الحكومية في بعض الحالات، والإحساس الخاطئ الذي يحمله المواطن تجاه الدولة بأنها ينبغي أن تقدم له كل شيء، فإذا بدت غير قادره، اتهمها بالتقصير وزاد حنقه عليها، وبرر كل السلوكيات السلبية تجاهها. يغلف كل ذلك بالطبع غياب مشاركة المواطن في مشروعات التنمية، وهي خبرة أخذت بها دول عديدة في العالم من البرازيل إلى جنوب أفريقيا إلى الهند، أثبتت أن التنمية هي بوابة تعلق المواطن بالدولة، وتجديد ثقته بها.

لا أعرف متى يتعلم المواطن الحفاظ على الممتلكات العامة، وعدم التبرع بالإساءة إليها، حتى بدون مصلحة مباشرة. هل التجريم القانوني كاف؟ وهل المحاكم تحتمل آلاف القضايا التي تتعلق بسوء السلوك مثل البلاغ الكاذب للإسعاف؟ هل القانون يحل كل ذلك؟ لا أعتقد، وخبرة التقدم في الدول العالم تشير إلي أهمية التغيير الثقافي أكثر من التجريم القانوني.
سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات