بطل المصلحة الوطنية الأمريكية اللاإنسانية - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 10:10 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بطل المصلحة الوطنية الأمريكية اللاإنسانية

نشر فى : الأربعاء 31 مايو 2023 - 8:50 م | آخر تحديث : الأربعاء 31 مايو 2023 - 8:50 م

لو كان هذا العالم يسير حسب مقاييس الالتزامات والممارسات والقيم الإنسانية، وليس حسب المصالح الوطنية الانتهازية، لما رحب منذ بضعة أيام بإشعال شمعة المائة عام لوزير الخارجية الأمريكية الأسبق هنرى كيسنجر.
لكنه عالم تحكمه أقلية صغيرة، أقلية المال ومؤسسات الأمن وشركات العالم الكبرى وخدمها من السياسيين الانتهازيين، والتى تضع لهذا العالم مقاييس وأشخاص الاحتفاء وموازين الرفض والتحقير.
وإلا، فهل حقا أن سلسلة الأخطاء والخطايا السياسية والعسكرية والأخلاقية التى تبناها وزير الخارجية الأمريكى الأسبق، ووضع تفاصيل استراتيجياتها وخططها، والتى نتج عن تنفيذها من قبل مؤسسات الجيوش والاستخبارات والشركات الأمريكية وحلفائها فى بلدان الاستعمار الغربى من موت وتشريد ملايين البشر الأبرياء فى بلدان آسيا وأمريكا الجنوبية والوطن العربى وبقاع كثيرة عبر الكرة الأرضية.. هل حقا أن تلك الصورة البشعة تستحق أن يُحتفى ببطل واضعها ومنفذها؟
ولنذكّر، من ينسون، أن تلك السياسات جمعت فيما بين المبادئ والممارسات الميكافيلية الانتهازية الاستغلالية الشهيرة وما بين شيطانية سياسية مغوية ومغرية ورافضة لكل القيم الإنسانية ووضعت كلها تحت شعار واحد هو شعار المصلحة الوطنية الأمريكية.
فليس بالمهم أن يموت الملايين فى حروب وصراعات كمبوديا واللاووس، ولا أن يُغتال مئات الألوف من اليساريين والشيوعيين فى إندونيسيا من قبل الاستخبارات الأمريكية والإندونيسية العسكرية، ولا يهم إسقاط وتنحية العديد من قادة آسيا وأمريكا الجنوبية الذين انتخبوا ديموقراطيا وحكموا وطنيتهم وإنسانيتهم، ولا يهم إسناد أشكال من الدكتاتوريات العسكرية الانقلابية فى مختلف البلدان.. لا يهم كل ذلك طالما أن كل تلك الموبقات تخدم الشعار الأمريكى المقدس: المصلحة الوطنية الأمريكية.
ولا يهمنا إطلاقا ما سيسرده البعض من مدح لعبقرية الرجل السياسية ولا لبعض نجاحاته الكبرى، من مثل إصلاح البين بين الصين وأمريكا على حساب الاتحاد السوفييتى، فهذه كلها لا تساوى، فى ميزان العدالة الإلهية والقيم الإنسانية والحقوقية والأخلاقية، مقدار ما ذرفت الملايين من دموع وما سالت من دماء وما دمر من أرض وما قاد إلى هجرة الملايين إلى المنافى وبؤس الغربة.
وبالنسبة لنا نحن العرب، فكيسنجر هو الذى تفتق ذهنه الشيطانى عن ما يعرف بسياسة الخطوة خطوة بعد حرب 1973 والتى قادت إلى إبعاد القطر العربى المصرى عن الصراع العربى ــ الصهيونى، والذى أدى شيئا فشيئا بدوره، بقصد أو بدون قصد، إلى الوضع البائس التطبيعى الذى نراه أمامنا الآن. ولا يمكن أن ننسى قط قولته الشهيرة إلى أحد المراسلين بأن ما يهم أمريكا هو رضا وموافقة ثلاثين مسئولا عربيا فقط، أما الملايين من الشعوب العربية الآخرين فلا قيمة لهم فى حسابات الربح والخسارة الأمريكية.
ولكن هل هذا غريب على الغرب الاستعمارى، الذى تهيمن على ثقافته وسلوكياته مجموعة صغيرة من الإعلاميين، فتنير صورة هذا وتطفئ صورة ذاك؟ لا، ليس بالغريب بعد أن رأينا كيف تعامل هذا الغرب مع كذبة من أمثال رئيس وزراء بريطانيا الأسبق بلير وصديقه الرئيس الأمريكى الأسبق بوش الابن عندما تآمرا على تدمير العراق وتشريد شعبه دون أن يوجه أحد سؤالا واحدا إليهما.
كان الواجب أن لا تنار شمعة فى نيويورك، بل أن يطفئ الحاضرون شمعة الحضارة الغربية، إيذانا بأفول قيمها.

مفكر عربى من البحرين

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات