جدليات اختيار الحزب الديمقراطى الأمريكى لمرشح جديد للرئاسة - وليد محمود عبد الناصر - بوابة الشروق
الإثنين 16 سبتمبر 2024 10:16 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جدليات اختيار الحزب الديمقراطى الأمريكى لمرشح جديد للرئاسة

نشر فى : الأربعاء 31 يوليه 2024 - 7:45 م | آخر تحديث : الأربعاء 31 يوليه 2024 - 7:45 م

دخلت استعدادات الحزب الديمقراطى الأمريكى للانتخابات الرئاسية المقبلة، المقرر لها يوم الثلاثاء الموافق الخامس من نوفمبر، هذا العام مرحلة نوعية جديدة ومنعطفًا شديد الأهمية والدلالة من خلال إعلان الرئيس الديمقراطى الحالى جو بايدن الاعتذار عن عدم قبول ترشيح الحزب الديمقراطى له لخوض تلك الانتخابات وتوجه الأنظار داخل الحزب نحو ترشح نائبة الرئيس الحالية كامالا هاريس كمرشحة عن الحزب لمنصب الرئيس خلال تلك الانتخابات.
وأتذكر أننى خلال عدة سنوات عملت وأقمت فيها فى الولايات المتحدة الأمريكية فى العقد الأول من الألفية الثالثة فى ظل رئاسة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، وفى حديث لى آنذاك مع رئيس واحد من أهم مراكز الأبحاث الأمريكية فى العاصمة واشنطن، ذكر لى أنه لكى تكتمل معالم الديمقراطية الأمريكية، من وجهة نظره، فإن هناك حاجة لكى يأتى ثلاثة رؤساء إلى الحكم فى واشنطن: رئيس أمريكى من أصول إفريقية، ورئيسة سيدة، ورئيس يهودي. وقد جاء بعد مقولته تلك باراك أوباما الديمقراطى ذو الأصول الإفريقية إلى سدة رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية لفترتين متعاقبتين، وبقى أن تأتى رئيسة سيدة وأن يأتى رئيس يهودى لكى تكتمل نبوءته.
وقد جاء التوجه العام داخل الحزب الديمقراطى لترشيح كامالا هاريس، لتكون مرشحة للحزب لمنصب الرئيس فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو الأمر الذى يتعين أن يؤكده المؤتمر العام للحزب الذى سوف ينعقد فى شهر أغسطس هذا العام، ليطرح، للمرة الثانية خلال الألفية الثالثة، إمكانية أن يكون رئيس الولايات المتحدة القادم سيدة، وذلك بعد ترشيح الحزب الديمقراطى للسيدة هيلارى كلينتون وهزيمتها أمام الرئيس الجمهورى السابق دونالد ترامب فى الانتخابات الرئاسية التى جرت فى عام 2016، إلا أن السيدة كامالا هاريس تزيد على هيلارى كلينتون بأنها تجمع بين كونها سيدة وكونها من الملونين.
وسوف يدخل فى اعتبار تعبئة الدعم لترشيح كامالا هاريس داخل الحزب الديمقراطى وعلى الصعيد الفيدرالى الأمريكى العديد من الاعتبارات الموضوعية التى تؤمن أو على الأقل تحاول ضمان، فوزها فى الانتخابات الرئاسية المقبلة وتأمين الحد الأدنى الضرورى على الأقل لمنافستها بقوة فى السباق الرئاسى حتى اللحظات الأخيرة. ومن المنطقى والمتوقع أن يكون جل تلك الاعتبارات متصلًا بقضايا تتعلق فى المقام الأول بالأوضاع الداخلية للمجتمع الأمريكى، سواء سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، وذلك فى ضوء حقيقة أنه بالنسبة للناخب الأمريكى تأتى موضوعات السياسة الخارجية والعلاقات الدولية فى مرتبة متأخرة فى معظم الأحوال ضمن أولوياته بعد قضايا داخلية مثل الضرائب والرعاية الصحية والتعليم والتأمينات الاجتماعية وحمل السلاح وحالة الأمن ومكافحة الجريمة ومسألة الإجهاض وغيرها.
ومن المزايا التى تتمتع بها كامالا هاريس فى رأى الكثير من قيادات وكوادر الحزب الديمقراطى ومنظمات المجتمع المدنى الأمريكى الداعمة للحزب، وكذلك فى رأى العديد من المحللين والمراقبين لمشهد الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، هو أن لها مواقف إزاء العديد من موضوعات السياسات الداخلية تحظى بشعبية واسعة لدى قطاع عريض من الناخبين الأمريكيين، حيث إن لها مواقف تتجاوب مع تطلعات فئات مهمة فى المجتمع الأمريكى إزاء موضوع له أولوية لدى المواطن الأمريكى العادى، وهو الرعاية الصحية على سبيل المثال، وهو موضوع عزيز لدى الحزب الديمقراطى، لأن الفضل يعود للرئيس الأمريكى الأسبق الديمقراطى باراك أوباما فى إدخال وتفعيل أول نظام شامل للتأمين الصحى فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، بالرغم مما تم إدخاله عليه من عناصر أضعفته خلال فترة رئاسة الرئيس السابق الجمهورى دونالد ترامب.
ويأتى هذا الموقف للسيدة كامالا هاريس فى سياق أعم وأشمل، وهو حرصها على تبنى عدد من الخيارات التى يجمع بينها مشترك مهم، وهو الحرص على الدفاع عن مصالح الطبقة الوسطى الأمريكية وحماية وجودها وضمان عدم الحط من مكانتها الاقتصادية والاجتماعية أو المساس بما تحقق لها من مكتسبات، سواء فى ظل إدارات ديمقراطية سابقة أو فى ظل الإدارة الديمقراطية الحالية للرئيس الديمقراطى جو بايدن.
ويتعين هنا التذكير بأن الحزب الديمقراطى الأمريكى، مثله فى ذلك مثل الحزب الجمهورى، هو ليس حزبًا بالمعنى المتعارف عليه أوروبيًا، ومن ثم عالميًا، لتعريف الحزب، فهو فى حقيقة الأمر بمثابة تجمع لتيارات لها مرجعيات فكرية وتوجهات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية متعددة وليست بالضرورة متشابهة، ناهيك عن كونها متطابقة، وتيارات تجمعها مصالح أو مواقف بعينها وتوجد تباينات فيما بينها. وبالرغم من أنه من المفترض أن الحزب الديمقراطى الأمريكى يجرى تصنيفه بصفة عامة فى المشهد السياسى الأمريكى فى أغلب الأحوال باعتباره يمثل يسار الوسط، فإنه فى حقيقة الأمر يحتوى بداخله على تيارات تتراوح بين اليسار واليمين، وتتباعد أحيانًا المسافات وتتفاوت القناعات فيما بينها بدرجات كبيرة.
وبالتالى، فإن الأيام المقبلة ستشهد سعى السيدة كامالا هاريس لبلورة برنامج سياسى يساعدها على تعبئة الدعم وحشد التأييد لها من قبل جميع الفصائل والتيارات التى تشكل الحزب الديمقراطى الأمريكى، بما فى ذلك تضمين برنامجها الانتخابى والخطب التى ستلقيها فى تجمعات شعبية فى العديد من الولايات الأمريكية وما سوف تذكره فى المناظرة المقبلة مع المرشح الجمهورى السيد دونالد ترامب المقرر لها يوم العاشر من شهر سبتمبر هذا العام مواقف تتجاوب مع تطلعات، ليست بالضرورة متجانسة، لقطاعات واسعة من الناخبين، سواء أولئك المحسوبون بأنهم تقليديًا يصوتون لصالح الحزب الديمقراطى أو أولئك الذين لم يقرروا نمط تصويتهم فى الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد، والذين يسمون عادة بـ«المتأرجحين».
وعلى هذه الخلفية أيضًا، سوف يكون من المهم على الحزب الديمقراطى، وعلى السيدة كامالا هاريس كمرشحة الحزب للرئاسة، مراعاة التوازنات بين مختلف القوى والتيارات داخل الحزب عند اختيار من سيكون مرشحًا لمنصب نائب الرئيس معها على قائمة الحزب، وهو الأمر الذى سوف يستوجب أيضًا الأخذ فى الاعتبار أن يكون ذلك المرشح عامل إضافة لشعبية الحزب فى تلك الانتخابات من خلال جذب فئات جديدة من الناخبين للتصويت لصالح المرشحين لمنصبى الرئيس ونائب الرئيس من قبل الحزب الديمقراطى فى انتخابات نوفمبر المقبل، ولهذا السبب يطرح البعض داخل الحزب الديمقراطى بقوة فكرة أن يكون المرشح لمنصب نائب الرئيس من ضمن حكام ديمقراطيين لولايات تصنف عادة ضمن الولايات المتأرجحة بين الحزبين الديمقراطى والجمهورى، بحيث يكون عامل تعزيز لحصول الحزب على أغلبية فى تلك الولايات أو أغلبها على أقل تقدير.
وهكذا فمن المتوقع أن تكشف الأيام المقبلة المزيد حول استراتيجية وتوجهات وخيارات الحزب الديمقراطى الأمريكى فى الانتخابات الرئاسية المقبلة بغرض ضمان استمرار الرئاسة الأمريكية فى يد الحزب فى فترة ولاية رئاسية ثانية عقب انتهاء فترة ولاية الرئيس الحالى الديمقراطى جو بايدن فى مطلع العام المقبل.

وليد محمود عبد الناصر مفكر وكاتب مصرى
التعليقات