عندما ولدت منى سيف، كان والدها أحمد سيف في السجن. وعندما ولد الحفيد خالد، كان أبوه علاء في السجن. وعندما سقط أحمد سيف مريضا بالقلب وانتقل إلى غرفة الإنعاش، كان علاء وأخته سناء في السجن. وعندما خرج الاثنان ليدفنا والدهما، وقفا في الجنازة يدا بيد، وبمجرد الدفن عاد كل منهما مع سجانه إلى الزنزانة، ليضرب آل سيف مثلا فريدا على تمكن ظاهرة التوريث في مصر من كافة قطاعات الدولة.
حالة الراحل أحمد سيف تشير إلى تناقض عجيب نعيشه في هذا البلد دون أن نتطلع إلى حسمه بشكل جاد ونهائي. وتمثل العائلة كلها إشكالية فريدة، توضح هذا التناقض بجلاء. فالرثاء ينهال على الراحل باعتباره مناضلا حقوقيا، ونصيرا للفقراء، بل و"قديسا" من نوع ما. ومع ذكره تذكر عائلته وأياديها البيضاء على المسجونين والمعتقلين، وجهودهم ودفاعهم عن حرية الرأي والتعبير، وعن المعتقلين السياسيين، ومختلف قضايا حقوق الإنسان... هذا من جانب.
من جانب آخر تعامل السلطات العائلة كمجموعة من الخطرين الخارجين على القانون. بل وأحيانا من قطاع الطرق. خاصة أن علاء على وجه الخصوص، طور قدراته في السنوات الأخيرة بشكل مدهش مكنه من تحدي قوات الأمن في دولة بحجم مصر، والتعدي منفردا على قواتها المسلحة، وإتلاف معداتها بل ويقال إنه تمكن من الاستيلاء على دبابة. وفي أحداث لاحقة أضيف لقائمة اتهاماته التعدي على أفراد الشرطة والاستيلاء على جهاز لاسلكي. كل هذا يشير إلى تناقض بين رؤية الدولة وأجهزتها، على اختلاف الأنظمة، وبين رؤية قطاع من مواطنيها.
ازدواجية من هذا النوع تشكل خطرا كبيرا على "الاصطفاف الوطني"، بما تمثله من عدم اتفاق على أبسط المباديء بل وعلى مفهوم الحق والباطل، أو الخطأ والصواب.. إذ كيف يمكن أن يكون المرء مجرما وبطلا في الوقت ذاته، وكيف يمكن أن نقبل أن ترى الدولة شيئا ويرى بعض مواطنيها شيئا آخر؟
استمرار المماحكات حول دخول علاء وأشباهه أو خروجهم من السجن، وتأثير ذلك على الصف الوطني شديد الضرر. وهناك ضرورة للتعامل مع المسألة بشكل حاسم وواضح، وهو أمر يخلو من الصعوبة.
هؤلاء جميعا بتعبير الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ليسوا إلا "قلة قليلة"، ومسيرة شعبنا الذي يتقدم بثقة نحو ال.. ال.. (لا أدري نحو ماذا ولكن يمكن الاتفاق على هذا لاحقا). المهم الآن أن ننقذ المسيرة والصف الوطني من مخاطر القلة المندسة.
حماية الأغلبية من اضطهاد الأقلية، يمكن تأمينها من خلال منظومة السجون، وبالحكم على هؤلاء جميعا بالمؤبد. وربما ينبغي أيضا أن نحشر معهم كل مثيري القلق والبلبلة. لابد أذن من سجن المتعاطفين والحقوقيين، والممتعضين، والمشككين، والمترددين، والقلقين، والمتسائلين، والمعارضين، والمختلفين، والمدافعين عن الفقراء، والمهمشين، والمستضعفين.
التضحيات تهون مادام الأمر يتعلق بمصير أمة تتحدى العالم وتحاك ضدها المكائد والمؤامرات.
ولو ظل هذا الجيل الشاب عاجزا عن فهم دقة "الظرف الراهن"، فلا مانع من أن ندخل الجيل بكامله إلى السجن، بل لا مانع مطلقا من أن نسجن المستقبل في حد ذاته.
المهم هنا هو الوطن وصلابة الوطن واصطفاف الوطن.
وتحيا مصر.. أو من يتبقى منها أو فيها.
للتواصل عبر تويتر: @sokkari