منذ فترة تقوم وزارة الأوقاف بتحديد موضوعات خطب الجمعة، فتنبه على الأئمة بموضوعاتها، وزمن إلقائها، ويقوم هؤلاء بتنفيذ التعليمات.
بالبحث فى خلفية موضوعات الخطب فى الأسابيع الماضية يلاحظ أن موضوعات خطب أبريل الماضى كانت حول السكينة والطمأنينة، والعشر الأواخر من رمضان، وليلة القدر، وصلة الرحم، وحق العمل. وفى مايو كانت الموضوعات خذوا زينتكم عند كل مسجد، وأسماء الله الحسنى، والسنن الكونية فى القرآن، وفضائل الصلاة على النبى. وفى يونيو كانت الموضوعات احترام الكبير، والحج، والعمل الصالح، والعشر الأوائل من ذى الحجة، ويوم عرفة وسنن الأضحية، والأمن فى القرآن والسنة. وفى يوليو كانت الموضوعات عناية الإسلام بالنشء، وفضائل الاستغفار، والأخذ بالأسباب فى الهجرة النبوية، وأسس بناء الدولة بين العهد النبوى والتطورات المعاصرة.
وفى أغسطس كانت الموضوعات حول الحمد فى القرآن والسنة، واسم الله الولى، واسم الله الرحيم، وقضاء حوائج الناس. وفى سبتمبر الحالى فإن موضوعات الخطب فى الجمع تباعا عن الرسول فى علاقته مع نفسه، فربه، فأهله، فأصحابه، فأمته.
وبالنظر إلى موضوعات الخطب المذكورة أنفا، يتبين أن بعضها يتسم فى بعدة أمور منها:
عدم التجديد فى موضوعات الخطب، بمعنى تكرار موضوعاتها، واعتياد الاستماع إليها.
الموضوعات البدائية للخطب حتى يظن المستمع أنها خطب تعليمية وفطرية، ويجدر بالخطيب أن يلقيها أيام الجمع فى مساجد أفريقيا جنوب الصحراء أو وسط آسيا، وغيرها من البلاد غير المتحدثة بالعربية، أو المراد تشغيف أهلها بالإسلام، والرغبة فى الدخول فيه.
اعتياد استماع الناس إلى مفردات تلك الخطب منذ الصغر، لذلك فإن المستمع يتوقع بسهولة ما سيقوله الخطيب، ناهيك عن معرفته بالآيات والأحاديث النبوية التى ترد بشأن الموضوع المعلن، لكونه سبق الاستماع إليها مرات عديدة، ناهيك عن تعاليمها المكررة المبثوثة إلى الناس.
ارتباط موضوعات الخطب أحيانا بمناسبات دينية كالعيدين، ورمضان، والحج، والهجرة، والمولد النبوى...إلخ. دون أن يقوم الخطباء بأى جهد لربط تلك المناسبات بواقعهم ومعيشتهم.
المؤكد من ذلك كله أن وزارة الأوقاف وهى تحدد موضوعات الخطب، تهدف إلى عدم شرود بعض الأئمة فى موضوعات غير مفضلة بالنسبة للأوقاف خاصة. ولعل الهدف من كل ذلك افتراضها أن عكس تلك الموضوعات سينتهى إلى تسخين الناس أو بث التحريض والغضب فى نفوسهم.
بعبارة أخرى، فإن الوزارة تبغى فى الأصل الابتعاد عن كل ما تتصور أنه مجلب للمشاكل أو السخرية من الأوضاع القائمة، فهى من أشد الوزارات محافظة، وخشية من إثارة الغير، خاصة وأنها تسيطر على آلاف المساجد، والتى يعتبر الجمعة فيها بمثابة اجتماع عام، تبالغ الوزارة فى خشيتها منه أن يتحول إلى فوضى بسبب الخطبة.
بالطبع الأجدر بالوزارة أن تعلم الخطباء أن يتطرقوا لموضوعات تهم حياة الناس، دون أن يعنى ذلك الحديث فى السياسة. هنا من المفيد مثلا الحديث عن البطالة وغش الميزان والتحرش ومعاملة الجار واحترام العهود، وتقديس حق الحياة وحق التعليم والاهتمام بالصحة العامة، واحترام قواعد السير والتعاملات الإلكترونية والتواصل الاجتماعى...إلخ. وهذه الموضوعات مهمة، وقد أتت الوزارة ببعضها كما اتضح فى العناوين السابقة كتلك المتحدثة عن العمل وقضاء الحوائج، ونعمة الأمن، وبناء الدولة بين الأصالة والمعاصرة.
فى الوقت الحالى تقوم وزارة الأوقاف بتوزيع أجهزة الآذان الموحد فى القاهرة.
وبالتأكيد الفكرة جيدة، بسبب كثرة الأصوات وتداخلها واختلاف مستوياتها ولحظات بدء وانتهاء الآذان من مؤذن إلى آخر. لكن تبدو المشكلة فى كيفية تعميم الفكرة خاصة فى المحافظات الكبيرة التى تظهر فيها فروق التوقيت ومنها القاهرة التى تختلف شرقها عن غربها.
قضية أخرى للأوقاف وهى موعد فتح المساجد للصلاة، وخلاف ذلك كله فى أشهر رمضان والاعتكاف. نفس الشىء متعلق بزمن خطبة الجمعة، والتى ترى الأوقاف ضرورة تحديده بحيث لا يمل المصلون أو يكون مدعاة لخوض الأئمة فى موضوعات فرعية غير مرغوب فيها. نفس الشىء هناك قضية الجمعيات الملحقة بالمساجد بهدف عمل الخير، والتى تتوزع تبعيتها والإشراف عليها بين الأوقاف والتضامن، وتلك الجمعيات قد تبالغ الإدارة فى التخوف منها بسبب جمع المال.
هكذا تتعدد القضايا، وهى كما هو واضح تحتاج إلى أفكار جديدة وغير تقليدية للتعامل، بحيث نحترم عقلية الناس فتعالج مشاكل مرتبطة بواقعهم لا واقع المسلمين فى فجر الإسلام، ونلتزم فى ذات الوقت بكل ما يدعو للاستقرار والأمن