انتهى المؤتمر القومى الأول للشباب فى شرم الشيخ الأسبوع الماضى، دون أن يفهم أحد، بشكل واضح، محل توصياته وقراراته من الإعراب. كل ما قدمه المؤتمر كان مجرد ديكور ديمقراطى أنيق، يجلس فيه الرئيس ووزراؤه فى القاعة فى حين يعتلى المنصة شباب وشيوخ يتكلمون بحرية عما يشغلهم، ولكن بلا مضمون جاد يقدم لنا ولو حتى اشارات حقيقية عن رغبة السلطة فى تنفيذ اصلاحات سياسية واسعة، يفتقدها المصريون، ويكفلها الدستور، وتكبلها القوانين والممارسات على أرض الواقع!
فعلى سبيل المثال، جاء قرار تشكيل لجنة وطنية لفحص ومراجعة موقف الشباب المحبوسين، ليحصد تصفيقا مدويا من الحاضرين، غطى ضجيجه على العديد من التساؤلات المبدئية حول مدى قانونية القبض على هؤلاء الشباب، ومدى تعسف السلطة ضدهم وضيقها بالصوت المعارض، وكيفية محاسبتها على تجاوزاتها وانتهاكاتها المتكررة للقانون، وهل يعنى هذا القرار تراجعا فى مفهوم الرئيس عبدالفتاح السيسى نفسه حول التوازن بين الأمن والحريات والذى لا يستند إلى أى قواعد قانونية ودستورية ولا أقول ثورية؟
أما القرار الخاص بتشكيل لجنة لدراسة مقترحات تعديل قانون التظاهر، فقد تجاهل هو الآخر استبداد السلطة فى سلب حق المصريين فى التعبير عن آرائهم بحرية طول السنوات الثلاث الماضية، وقمعها لحركة الشارع باجراءات بوليسية صارمة، فى نفس الوقت الذى قامت فيه ببناء مؤسساتها السياسية بطرقة أمنية بحتة أعادتنا لدولة مبارك، مع انفراد هذه السلطة باتخاذ قرارات مهمة تتعلق بقضايا مصيرية تشمل جميع جوانب حياتنا، منها موقفها من تيران وصنافير أو سد النهضة أو العلاقات مع إسرائيل وأمريكا.
وعلى المستوى الاقتصادى، جاءت فعاليات المؤتمر لتحيلنا إلى المجهول، فخلال مناقشة انهيار سعر صرف الجنيه أمام الدولار وبقية العملات الأجنبية، لم نسمع أى أصوات جادة تناقش أسباب أزماتنا المعيشية الراهنة، وجدوى سياسة الإصلاح ــ أو بمعنى أصح ــ الخراب الاقتصادى التى تنتهجها الحكومة وانصياعها الكامل لروشتة صندوق النقد الدولى، ودون أن يسأل حتى ولو مشارك واحد فى المؤتمر عن المصير الغامض لأكثر من 30 مليار دولار تم ضخها من الخارج خلال السنوات الماضية، دون أن يظهر لها أى أثر فى تحسين مستوى حياة ملايين الفقراء ومحدودى الدخل فى مصر، فى وقت تسوء فيه أوضاعنا الاقتصادية، وتحذر فيه الحكومة من خطر انهيار الاقتصاد المصرى، وتعدنا بالمزيد من القرارات المؤلمة التى لم يعد أحد يتحملها، والتى تنذر بانفجارات شعبية قد لا تخلو من فوضى عارمة!
وحتى القرارات الخاصة بالتعليم أو تجديد الخطاب الدينى، فقد جاءت لمجرد ذر الرماد فى العيون، لم يأخذها أحد فى مصر بجدية وأولهم المشاركون فى المؤتمر أنفسهم، فإصلاح التعليم الذى يحتاج إلى مليارات الجنيهات لن تستطيع خزائن الحكومة الخاوية أن توفرها، كما لن تسمح العقلية الأمنية المسيطرة على حياتنا أن توفر مناخا ديمقراطيا يسمح بطرح قضايا حساسة تخص العقيدة.
أزمة الحكم فى مصر لن يحلها مؤتمر شرم الشيخ، ولن يمنع ديكوره الديمقراطى من تصاعد الغضب الشعبى ضد سياسات تنتهك حقوقه الاقتصادية والديمقراطية، كل ما نجح فيه المؤتمر هو التنفيث عن بعض هذا الغضب لا أكثر ولا أقل، فقد بات واضحا أن ما نحتاجه فى مصر، أصبح أكبر من قدرة النظام على تقديمه، برهاناته السياسية الحالية، وبالعقلية الأمنية التى تسيطر على توجهاته.
العودة المخلصة إلى أدبيات ثورة يناير، هو الطريق الوحيد لتحقيق أهداف الشعب المصرى فى الحياة الكريمة، لا المناورات التى تلتف حولها.. ولا حتى المؤتمرات التى تنعقد لتسحب البساط من تحت أقدامها، مهما كانت نواياها مخلصة وصادقة!