هل حقا أن مسيرة التنمية فى بلاد العرب متعثرة بسبب عدم اعترافهم بسلطات الكيان الصهيونى فى فلسطين العربية المحتلة؟ أم أن التنمية متعثرة، كما تؤكدها مئات الدراسات والتقارير الدولية، بسب الفساد المالى والسياسى المتجذر فى كثير من مؤسسات الحكم والإدارة العربية، وبسبب الاقتصاد الريعى الذى يسمح بتركز الثروة فى يد أقلية، بعيدا عن رقابة ومشاركة مؤسسات المجتمع المدنى، وبسبب الارتباط التابع العاجز مع مؤسسات الاقتصاد والمال الدولية المهيمنة؟
فإذا كان البعض يريد التملص من التزاماته القومية العروبية تجاه أرض فلسطين العربية ومن أحاسيسه الإخوية الإنسانية تجاه شعب فلسطين العربى المنكوب، فليستعمل مشجبا آخر غير موضوع التنمية المتعثرة ليعلق عليه تبريراته وخيالاته التى لن تنطلى على الأغلبية الساحقة من شعبه.
لنذكر هؤلاء، من الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، بتاريخ وقوف كل مكونات أمتهم العربية منذ بضعة عقود فقط فى سبيل تحررهم من الاستعمار الغربى الذى كان جاثما على أرضهم. ألم تكن التزامات رابطتى العروبة والإسلام وراء مساندة كل أقطار الوطن العربى لهم فى سبيل حريتهم واستقلالهم؟ هل نسى كل ذلك؟
ثم، ليعطونا مكونا واحدا من مكونات التنمية الذى لا يمكن توافره إلا من خلال السلام مع الكيان الغاصب الاستيطانى الذى يقطر دم الألوف من أطفال ونساء وشيوخ فلسطين من أيادى قادته؟ هل أن الاستثمارات والتكنولوجيا والعلم والصناعة لا توجد إلا فى ذلك الكيان؟ أليست متوافرة فى الأسواق الأمريكية والأوروبية والآسيوية؟
أضف إلى ذلك، ألا يخجل بعض إعلاميى وكتبة ومرتزقة المنافقين من بعض هؤلاء العرب من تكسُّبهم الانتهازى الذليل على حساب آلام وأحزان وحقوق أربعة عشر مليونا من إخوانهم الفلسطينيين؟ ألا يرون، حتى بأدنى مستويات الفهم وتحكيم الفطرة والضمير، الدمار والجوع والتهميش والإذلال والتوقيف التعسفى والقتل المتعمد والنهب الممنهج للأرض الفلسطينية الذى يعيشه الإنسان الفلسطينى على يد جنود الاحتلال وغزاة الاستيطان ومن يساندهم فى الغرب الاستعمارى؟
كل ذلك يرونه بأم أعينهم يوميا، ومع ذلك، وبالرغم من كل ذلك، يكتبون وينشدون قصائد المديح فى «ديمقراطية» و«سلمية « «وتحضر» و«تقدم» الوجود الصهيونى الاستعمارى فى أرض تاريخية مقدسة من هذا الوطن العربى المنهك المستباح؟ أم أن قيم المروءة والعدالة والإنصاف والأخوة الإنسانية أصبحت بضاعة تباع وتشترى فى أسواق النخاسة والبغاء فى أرض العرب؟
***
دعنا نكون واضحين وصادقين مع النفس، إذ ما عاد من الممكن التستر على أى شيء ومراعاة خاطر هذه الجهة أو تلك.
نحن العرب، لدينا ألف مشكلة ومشكلة مع إيران، وبعض قادتها ومؤسساتها يحملون مسئولية تفاقم الكثير من تلك المشاكل. ولكن، هل حقا أن الطريق لمواجهة وحل تلك المشاكل مع إيران يمر عبر شوارع ومؤسسات حكم تل أبيب والتناغم مع استخباراتها؟
ألا يكمن الحل فى إنهاء الصراعات العربية – العربية التآمرية السياسية، والابتعاد عن سخافات الصراعات الطائفية، وإرجاع الحياة إلى جثة النظام العربى القومى الإقليمى، ممثلا بالجامعة العربية، ليكون ندا ووزنا يحسب له ألف حساب من قبل دول إقليم الشرق الأوسط غير العربية وأيضا فى الساحة الدولية؟
وبهذه المناسبة دعنا نطرح سؤالين آخرين مفصليين متعلّقين بمعرفة حقيقة هذا الموضوع القومى الوجودى.
الأول، لماذا لا تقوم مراكز البحوث والدراسات العربية، المستقلة عن مماحكات الحكومات العربية، وبلادات الصراعات الفلسطينية – الفلسطينية، بإجراء استفتاءات لعينات ممثلة وصادقة من المواطنين العرب فى مختلف أجزاء وطن العرب، وذلك بشأن موقفهم من التطبيع مع العدو الصهيوني؟ ثم وضع النتائج أمام المسئولين المطبِّعين ليعرفوا مدى القبول أو الرفض لما يفعلونه، ظلما واستهتارا، بقضية شعب منكوب بتكالب الخارج والداخل والقريب عليه وعلى وطنه.
ثانيا، لماذا لا تنبرى بعض مؤسسات المجتمع العربى السياسية والحقوقية، متعاونة ومتساندة، باستدعاء ملايين المواطنين العرب للتوقيع على رفض تام للتطبيع، من أى نوع كان وبأى مستوى، وذلك من خلال شبكات التواصل الإلكترونية المعروفة؟ ثم وضع ذلك أمام المطبعين ليعرفوا مدى الرفض لما يفعلون.
***
وما دمنا نريد أن نكون صريحين وصادقين مع النفس، لنسأل مؤسسات وتجمعات الفلسطينيين السياسية، إينما تكون وتحت أى مسمى، ألم تصل بعد إلى القناعة بأن انقساماتهم النفعية وصراعاتهم الانتهازية العبثية، وبيع بعضهم لأنفسهم ولقضية شعبهم، وخيانات بعضهم جهارا دون عقاب ولا رادع، هى أحد الأسباب الرئيسية التى يتذرع لوجودها بعض المطبعين لتبرير ما يفعلون؟ ما عاد السكوت ممكنا أمام منظر الانقسامات والصراعات الفلسطينية تلك. إنها فضيحة أخلاقية ووطنية وقومية، لا يمكن تبريرها ولا يمكن تغطيتها بعار قلة الحيلة وبأقنعة الحاجة لهذه الجهة أو تلك.
ليس الهدف لوم هذه الجهة العربية أو تلك، فاللُوم فى الحقيقة يجب أن يقع على أمة العرب جميعها التى سمحت بكل ذلك من كثرة تغاضيها عن أخطاء قادتها، وهوانها على نفسها، واستعدادها لقبول كل من هب ودب، ثم وضع اللوم الكاذب على الإرادة الإلهية العادلة بالترديد الدائم الببغاوى لمقولة «لا حول ولا قوة إلا بالله» تهربًا من مسئولية النضال للخروج من هذا الوضع المأساوى الحزين.