بين كل تسجيلات جهاز أمن الدولة للمكالمات التليفونية الخاصة بقيادات فى حركة 6 أبريل وبنشطاء فى فاعليات شبابية، والتى أذاعها الصحفى عبد الرحيم على فى برنامجه التليفزيونى على إحدى القنوات الفضائية، شدنى تسجيل لمكالمة بين القيادى محمد عادل المحكوم عليه بالسجن ثلاث سنوات فى قضية تظاهر، وبين امرأة تتكلم بلهجة شامية تدعى صوفيا ــ قال عنها عبد الرحيم إنها قد تكون سورية أو لبنانية أو إسرائيلية ــ وقد دار الحديث بينهما حول فيديوهات سوف يرسلها عادل إليها، مقابل مبالغ مالية سوف ترسلها إليه صوفيا عن طريق شركة «ويسترن يونيون»، ومنها فيديوهات ــ حسب ما فهمت من المكالمة ــ حول فاعليات سياسية فى مصر، وأخرى تتعلق بدورة تدريبية حصل عليها المدعو عادل فى صربيا، وأخرى حول رحلة له إلى غزة طلبتها منه صوفيا ــ دون أن نعرف السبب ــ لكنه اعتذر لها عن عدم توافر أى فيديوهات عن زيارته الغامضة هذه!
مثل هذه المكالمة تفتح المجال أمام عشرات الأسئلة، ربما يدور أهمها حول كم «عادل» آخر له مثل العلاقات السياسية ــ المالية الملتبسة مع جهات غامضة فى الخارج ؟.. وهل لهذا الأمر علاقة بالصندوق الأسود الشهير الذى قال اللواء عمر سليمان قبل رحيله المفاجئ إنه يحوى فضائح تطول العديد من القوى السياسية والأسماء المشهورة التى ركبت ثورة 25 يناير، وفرضت نفسها فرضا علينا بتسويق نفسها عبر القنوات الفضائية ؟.. ثم لماذا سكتت الأجهزة الأمنية على مثل هذه الوقائع خلال الثلاث سنوات الماضية ؟.. وهل يتقدم عبد الرحيم بهذه التسجيلات التى أكد أنه حصل عليها من بعض النشطاء وليس من أجهزة المخابرات، إلى النائب العام للتحقيق فيها ؟.. ومتى؟
هذا الجانب المظلم فى حركة 6 أبريل وغيرها من عشرات الحركات التى كانت تطلق على نفسها «إئتلافات شباب الثورة»، ليس مكانها قنوات التليفزيون ولا موقع يو تيوب ولا البوابات الإخبارية الإلكترونية، ولكن مكانها الطبيعى الوحيد هو أجهزة الأمن وجهات تحقيق قضائية مستقلة، لكى نفهم الدور الحقيقى الذى قامت به قيادات بارزة فى هذه الحركات خلال ثورة يناير وما بعدها، ولكى نكشف طبيعة العلاقات السرية التى ربطت بين هذه القيادات ومافيا الإخوان المسلمين وأجهزة مخابرات غربية، كانت تخطط لإجراء تغييرات إقليمية هائلة، أحبطتها ثورة 30 يونيو بخروج ملايين المصريين للشوارع، والإطاحة بحكم فصيل القطبيين الذى سرق تنظيم الإخوان، ثم سرق ثورة يناير، وهو يخطط لتحويل بوصلتها لتحقيق أهداف مريبة ترتبط بالرؤية الأمريكية والصهيونية لخريطة المنطقة، وإعادة تقسيمها من جديد!
ولا شك أن مثل هذه التحقيقات القضائية، سوف تبدد مخاوف الكثيرين الذين يرون أن الكشف عن مثل هذه العلاقات المريبة بين هؤلاء النشطاء وجهات أجنبية، قد يسىء لثورة يناير، ويعطى المبررات لقوى الفلول لضربها وإعادة انتاج نظام مبارك من جديد، أو أن ما يحدث يستهدف ضرب هذه الحركات الشبابية لتسوية الأرض أمام نظام عسكرى يحاول السيطرة على السلطة، بعد أن نجح فى الإطاحة بتنظيم الإخوان واعتباره جماعة ارهابية، ولكن أيا كانت هذه المخاوف ومبرراتها، فلا يمكن لثورة أن تنجح فى تحقيق أهدافها دون أن تلفظ من يحاول استغلالها لتحقيق مصالحه المشبوهة، والذين يرتبطون بقوى خارجية تخطط لرسم مسارات سياسية للإقليم تتناقض مع نهضته وتقدمه ورخائه وتحقيق مصالح أبنائه.
واتصور أن على الكوادر المخلصة فى هذه الحركات الشبابية، ان تقوم بدورها الوطنى، بأن تحقق فى كل هذه الاتهامات التى تدين بعض قياداتها ونشطائها المشهورين إعلاميا، وان تلفظ كل العناصر المشبوهة بداخلها، وان تبادر هى بنفسها بتقديم ما يدين هذه العناصر لجهات التحقيق، ليس فقط للحفاظ على سمعتها السياسية، ولكن للحفاظ على ثورة يناير نفسها والتى كان لهم فيها أدوار بطولية سيذكرها التاريخ لهم.