منذ نحو ثلاث أيام تم توقيع صفقة القرن الطبية. شركة كليوباترا CHLO المالكة لمستشفى كليوباترا والقاهرة التخصصى والكاتب والشروق وكوينز والنيل بدراوى ومعامل المختبر والبرج وقعت اتفاق دمج مع شركة ألاميدا الإماراتية التى تمتلك مستشفتى دار الفؤاد بأكتوبر وم. نصر، والسلام الدولى والسلام بالقطامية ومعامل إليكسرا ويونى لاب.
القيمة السوقية لكليوباترا 7.5 مليار جنيه، وقيمة ألاميدا 7 مليارات جنيه. وصافى الربح المجمع لكليوباترا قبل الدمج نحو 200 مليون جنيه فى العام، بهذه الصفقة ستصبح كليوباترا المستحوذ على الرعاية الطبية الخاصة فى مصر بلا منازع. وكانت كليوباترا قبل الصفقة هى أصلا المالك الأكبر لعدد أسرة القطاع خاص الطبى فى مصر، يليها ألاميدا.
فى مصر اليوم وفقا لبيانات الجهاز المركز للتعبئة العامة والإحصاء عام 2018 والمنشورة فى إبريل 2020 نحو 131 ألف سرير منها 95680 تملكها الدولة، و35320 يملكها القطاع الخاص. بعد الصفقة أنفة الذكر ستكون كليوباترا التى كانت تملك 780 سريرا ستمتلك 1450 سريرا، أى أنها أصبحت تستحوز على نحو 4% من أسرة القطاع الخاص.
بسرعة خاطب جهاز حماية المستهلك وزارة الصحة لسرعة إعمال الدستور والقانون والقرارات الوزارية بإيقاف الصفقة، باعتبارها تعد احتكارا واضحا لمجال الرعاية الصحية فى مصر. اليوم لا أحد يعرف رد فعل الحكومة على جهاز حماية المستهلك إزاء تلك الصفقة الضخمة، وهل ستعتبرها ضمن الاحتكار الطبى فى مصر أم لا.
المؤكد أن الحكومة لا يجب أن تنظر إلى الصفقة من منظار أحادى، بمعنى النظر إليها من منظور شركة تشترى شركة، بل من منظور كلى متصل بسوق الرعاية الصحية الخاصة فى مصر، وإلى أى حد سيهيمن عليه كيان واحد.
رأس المال أو الاستثمار لا يعرف سوى الربح، وفى مجال الرعاية الطبية لا ينظر إلى الأمور من منظار العمل الإنسانى. وقد جرت العادة فى قطاع الاستثمار الطبى الخاص، أن يقوم المستثمر بشراء ما يريد، ويديره لعدة سنوات، ربما تتراوح ما بين 5ــ7 سنوات، إدارة رشيدة، ثم يبيعه بسرعه، قبل أن يطرح فى البورصة ويحوله لشركة مساهمة. فالمستثمرون فى هذا المجال لديهم قول مختصر، من المفيد ذكره لإفهام الناس ما يحدث «لو أردت النجاح لا تقع فى غرام استثمارك» بمعنى استثمر ثم تحرك بسرعة وبع ما تملك قبل أن تنطلق لعمل استثمارى آخر.
أيضا الحكومة يجب أن تنظر للصفقة من منظور الأحداث التى وقعت فى السنوات الماضية بسبب إفراط البعض فى خصخصة الرعاية الطبية. عمليات (بير) السلم الجراحية، وتجارة الأعضاء البشرية، وتسرب الأطباء والممرضين الأكفاء للعمل فى القطاع الخاص داخل وخارج مصر، وضرب مستشفيات الدولة فى مقتل بجعلها خاوية من الكفاءات الطبية، بسبب إغراء هؤلاء بمرتبات خيالية، مقابل حالة الفقر فى رواتب الحكومة، مع ملاحظة أن بعض مستشفيات الحكومة تمتلك أجهزة ومعدات طبية تفوق ما تملكه أكبرالمستشفيات الخاصة فى مصر.
فى الأخير تبقى الرقابة على العمل الطبى هى صمام الأمان للحفاظ على العدل الاجتماعى، بحيث ينال الفقير وغير القادرين خاصة من كبار السن وأرباب المعاشات رعاية صحية جيدة، وبتكلفة لا تضارعها التكلفة الباهظة للرعاية الطبية الخاصة، التى تصل لدرجة دفع المريض فى بعض الحالات 20 ألف جنية يوميا. بالتأكيد التأمين الصحى المنشأ منذ الستينات، والمحدث بقانون التأمين الصحى منذ أكثر من عامين، هو ضمان لعلاج فئات الشعب. لكن أيضا إدارة هذا التأمين لا يجب أن تفسد من خلال هيمنة وزارة الصحة على كل شاردة وواردة، فيصبح هناك تشوية للعمل الطبى العام لصالح النظر للخاص على أنه جيد على طول الخط.
المؤكد أن كل عمل خاص ليس بالضرورة متهما بالفساد أو التربح، وللأسف أن أفعال القلة هى الطاغية والظاهرة والملوثة لأفعال الأغلبية فى العمل الخاص. لكن النظر بالتحوط الدائم من قبل الدولة، عبر رفع رواتب الأطباء العاملين بمستشفيات الحكومة (مستشفيات وزارة الصحة والتعليم العالى والأزهر والمؤسسات الأمنية)، والاهتمام بالتأمين الصحى بالفصل بين المشرف ومقدم الخدمة، وجعل الوعاء الضريبى على الاستثمار فى مجال الرعاية الصحية متناسبا مع الأرباح الكبيرة، وتفعيل المادة 18 من الدستور التى تجعل موازنة الرعاية الطبية لاتقل عن 3% من الناتج القومى الإجمالى، كل ذلك من الأمور التى تحد من الاحتكار فى مجال الرعاية الصحية الخاصة، وتقى الفقير من غلواء المرض وغلواء المستغلين.